عندما تزور جهة خدمية عامة أو خاصة تلمس جدارة قياداتها في مدخل الإدارة من نظافة المرافق، وتنظيم الخدمة، وتوحيد الإجراءات ووضوحها، ثم الوقت الذي يستغرقه وجودك لإنجاز معاملتك.
أيضًا، ومن عند الباب، قد يخالجك شعور بأن معاملتك متعثرة، ولن يتم إنجازها (إلا بحبل من الله وحبل من الناس).
المسؤول الناجح هو الذي يدرك أن تكليفه من أجل خدمة الناس، وتطويع القوانين، وتدفق الإجراءات بسهولة وسلاسة في أقصر وقت وأقل جهد.. فوجوده إذن تكليف لا تشريف.
نظيره هو مَن يقذف بالأنظمة المرعية خلف ظهره؛ لينفذ قانونه الخاص (لا أريكم إلا ما أرى) متيقنًا أن ثمة من يتغاضى عن مثالبه ومفاسده!..
في مكتب الاستقبال أو السكرتارية يتضح للزائر شخصية الرجل القابع خلف الأبواب.. سلوك موظف مكتبه يشي بوجود قائد جدير، واثق من نفسه، يحترم منظمته؛ فيسعى جاهدًا لغرس صورة ذهنية مميزة لدى عملائها.. أو خلاف ذلك يتجلى في مكان منفلت تنظيميًّا.
عندما تختلف مع أحد الموظفين، ولم تجد من يصوبه، تأكد أن مديره إنما قد جيء به من قبيل المنفعة؛ إذ لا يمتلك القدرة والمعرفة والأهلية.. لذا فهو يساق رغمًا عنه إلى حيث تكون مصالح فريق العمل وقيادات الجهاز.
المدير وأقلامه الثلاثة..
الكثير من مؤسساتنا –للأسف- ما زالت مستجدة في أخلاقيات المهنة.. فكم من حقوق أُهدرت، ومبادئ سقطت، بسبب غياب مدونة السلوك بفعل فاعل مع سابق قصد وترصد.. مسؤول فاسد، أرهق الناس بسوء صنيعه، وكأنه يرغمهم على الخضوع لفكره؛ كأنه مخلد في المكتب! فأساء بذلك للمهنة والمنظمة، وربما للدِّين والوطن.
الكرسي كالجان، إذا تلبس ابن آدم فقولوا على أخلاقه السلام؛ فالملبوس بعفريت الكرسي لديه استعداد ليدوس كل ما يعترض طريقه في سبيل تحقيق مكاسبه ومكاسب مَن وراءه.
أشهر عبارة يرددها المسؤول ذو الأيدي المرتجفة: “اعملوا ما بدا لكم، لكن لا أريد مشاكل مع الناس، وفضايح في الإعلام مع الوزارة”.
إن المدير الذي يؤشر المعاملات بالأقلام الملونة فإن وراءه ما وراءه؛ إذ يرمز مثلاً الأحمر عنده إلى الاستثناء، والأزرق إلى المفاهمة، أما الأخضر فعاملوه حسب النظام الله لا يهينه.. يا ليل ما طولك!
هذان بيتان أختم بهما، قالهما أبو العلاء المعري في قصيدته (تعب كلها الحياة):
“صـاح هـذي قبورنا تملأ الرحب
فـأين الـقبور من عهد عاد
خـفف الـوطء ما أظن أديم الـ
أرض إلا مـن هـذه الأجـساد”
لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.. والعاقل يفهم.