ينفق بعض الأشخاص أموالهم في أشياء ليست ضرورية كنوع من الإسراف أو السفه، لذا وصفتهم الأمثال الشعبية بهذا المثل، ومن أجل ذلك هناك من يقترض أموالا لا يستطيع سدادها لاحقاً، وهكذا تدور به العجلة.
كشف للكربة
ويبدأ الحديث الشيخ جعفر العبدالكريم بالقول : إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة سيما لذوي الحاجة لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته ، فقد قال النَّبِيُّ (ص) مَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فِي قَرْضٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ.
وأضاف : نعم يكره الاقتراض مع عدم الحاجة وتخف كراهته مع الحاجة وكلما خفت الحاجة اشتدت الكراهة ، وكلما اشتدت خفت إلى أن تزول ، والأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقب حصوله عدم الاستدانة إلا عند الضرورة أو مع علم المستدان بحاله، وفي المقابل يلزم على المقترض أن يكون أمينا في رد الأمانة دون مماطلة حتى لا تضيع حقوق الناس ويمنع سبيل المعروف فقد ورد عن الصادق (ع): لعن الله قاطعي سبيل المعروف وهو الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره، بل يستحب أن توفي بأكثر مما اقترضت مع عدم شرط الزيادة ، حيث أنه من حسن القضاء وخير الناس أحسنهم قضاءً.
الحياة صعبة
ويقول الدكتور عبدالله بن عيسى البطيان سفير الإنسانية حول العالم وسفير النوايا الحسنة والعدالة أن الحياة لها متطلبات وضرورات وكذلك تعلمنا بأن الدنيا دوارة، إن كانت معي الآن في رخاء فسيحين علي كما حان على غيري، والمؤمن يعرف تمامًا بأن مساعدة أخاه المؤمن واجب والوقوف معه في الشدائد مطلب لذلك يقول صل الله عليه وآله وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وأضاف : حين ندرك أن لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومنهي أن يبات الإنسان وجاره أو قريبه جائع نجمع بوادر الخير ونتضمن علامات حسن النوايا وطيب الفعال، أما عن المثل الشهير المقصود ( السلف تلف) فهو مخصص في حال من أودع ماله الذي يحتاجه ولو بعد حين ليعطيه من يتلفه ولا يرجعه لطارئ استمر أو لعادة بغيضة استحسنها المتكاسل ليعيش على أموال غيره دون كد ولا تعب ولا مقابل، والعاقل المكلف مدرك تمامًا لمن يقدم ماله، ولماذا يقدمه، وكيف له أن يحفظ هذا المال لأنه محاسب، فالمال مال الله والناس مؤتمنون عليه ليقدموا لعباد الله ما فاض من أموالهم وإن مع العسر يسرا، فحين قدوم شخص ما ليقرض المال غالبا ً فالموضوع نتيجة حاجة أو عوز، والعاقل يعي أن ماء الوجه ليس له ثمن، وحين إقبال شخص ما علي فهو أكبرني وأعطاني قدري لأن أرى ماء وجهه حين يسأل عن سد حاجته.
وزاد : مع ذلك فهناك فهم بأن قاعدة الاحتمالات تضرب الفكرة ليمتحن المسؤول إيمانه ويلتفت لجوانب متعددة ويفترض كل ممكن قبل إخراج هذا المبلغ، يقول أمير الكلام : لو صدق السائل لهلك المسؤول. واليقين أن هذا العاجز لا حيلة له إلا بإقراضه لذا قد يكون ضمن قاعدة الإحتمال بأنه سيكون تالف – غير مرجوع- نتيجة الظرف.
وانتشر لدى السابقين أيضا في مضمون الحديث بأنك إن أردت ألا تخسر شخصا فلا تقم بإقراضه، وكذلك إذا أقرضت شخصا فإنت ستحفو لتسترجع مالك وهكذا، لذا تم ضرب المثل نتيجة أن المتسلف غالبا لا يستطيع السداد ويدخل في دائرة الحاجة من عدة أبواب، وهذا دليل التخبط الذاتي وعدم إيجاد خطة تترتب عليها شراء ماء الوجه وشكر الذي قام بإعطاء السلف كي لا يقطع سبيل الخير بين الناس.
ومضى يقول : وللحكماء الأحسائيين تعبيرين مختلفين عن هذا المثل الأول هو السلف الذي تعطيه لمحتاج فلا تحسب حسابك عليه وقدمه كأنه تالفًا غير آسف عليه لأنك بهذا سترفع الحرج عن السائل ولا تلزمه إلا بما يلزم به نفسه دون ضغط منك أو ركض ليرجع وكأن حالهم يقول قدمه لوجه الله وإن عاد وإلا فهو مال خرج منك ليكون لغيرك برضا وقناعة لأن المتسلف محتاج.
أما التعبير الثاني الغير متداول ويستخدمه ذوي الحجى هو السلف تلف أي يلف ويعود إليك بالنفع أشكر من قصدك في حاجته لينفعك بإشعارك بأنك من أهل الخير وغالبا ً أهل الخير يشعرون بلذة وسعادة خفية نتيجة العطاء والبذل والمساعدة وهو شعور لا يوصف وهذا من الإيمان.
لذا انقسم الناس على قسمين فقسم يفكر بوقته وحينه وينضرب عليه المثل بأن يكنز المال ولا يسلف أحد وهذا شرعا ً به إشكال وغالبًا هذا قسم يخص أهل الدنيا، أما القسم الثاني فهو لقسم من يزرع للآخرة وهم يقدمون على مستويات مختلفة بنتائج مختلفة يتفقون لهدف خدمة المتسلف وهنا تأتي مكامن كيفية وضع ضوابط وضمانات إسترجاع السلف سواء بالمكاتبة والشهود أو بالرهن أو بضمان ما يستشعره المسلف للمتسلف.
وحين ندخل في موضوع السفه أو الإسراف أو الإنفاق في غير محل فلا اضطرار هنا والموضوع بين من عنوانه ويستشف الحادس بأن السبب المتسلف لأجله لا يستحق أو ينحدر لطلب وضيع نتيجة السببية وهكذا برع الحساوية في استنباط المفردات التي تلائم ظرف الحال لذلك يقولون : شحادك يا مسمار قال المطرقة.
وكذلك يقولون في هذه الحالة عن السفيه (عندك تأكل قال لا، عندك تغرم قال إيه) ويقولون كذلك : ريش معلق في عريش (هيش تيش معلق في عريش) والإدراك لغرض السؤال وطريقة السائل يعطي المسؤول تسمية حسب الطريقة.
وفي الختام فالمؤمن كيس فطن كما قال عنه صل الله عليه وآله وسلم ويعرف الإنسان أموره ولا يلدغ المؤمن مرتين.
السلف كابوس
أما الكاتب الأستاذ عبدالواحد العلوان، فقال : السلف او الغرامة المالية، يبقى كابوس يطارد الكثيرين والخجل سيد الموقف، وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان بينَه وبين قومٍ عهدٌ، فلا يشدُّ عقدةً ولا يحلَّها، حتَّى ينقضيَ أمدُها أو ينبذَ إليهم على سواءٍ)، فمع تسارع تقدم النمو العمراني والاقتصادي في وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية، تسارعت كذلك بعض الإجراءات المالية، وارتفعت نسب القضايا المالية والتي أُحيلت مؤخراً للمحاكم الشرعية والدور القضائية، وأصبحت الحاجة للمال أكثر وأكبر، وأصبحت التعاملات المالية هي العنوان الأبرز للوفاء بالعهود.
كلمات ترددت كثيراً في الوسط الاجتماعي ،، سلفني وبعد بكرة أحول المبلغ في حسابك..
وكلمة سلفني هي عاطفية تحث الآخر على المساعدة والوفاء وقوة العلاقات الطيبة ومظهرها جميل جداً ولكنها سُم تجرعه الكثير والكثير لا زال في دوامة لم يستطع الخروج منها.
وقد تعددت الأسباب والأشكال والكلمات والنهاية واحد سلف أو قرض مالي، سلفني كلمة لطالما ترددت كثيراً في الوسط الاجتماعي، والأسري وبين الأصدقاء والزملاء في المجال الوظيفي، وسببت أرق كبير في هذه الأوساط، حتى باتت هذه الكلمة كالخنجر الذي غُرس في خاصرة أحدهم، وظل ينزف جراء هذه الطعنة لسنوات طويلة ولكن هل من مُنقذ..؟
هذا السؤال يطرحه الكثير ويتداول كثيرًا وخلف تلك الجدران وتلك الوجوه قصص تكاد أن تُبكي الحجر ومن يستمع لها..
سلفني ياصديقي لا عليك .
والسؤال الآخر : هل أصبح بعض البشر لا يخجل ولا يستحي من مجازاة صاحب المعروف عليه باللؤم وعدم الوفاء معه بالإلتزامات المالية، والعهود والمواثيق؟
فكم من سجين وقع في السجن نتيجة كرمه، ونتيجة مواقفه ومعروفه التي ظن بأنه وفي لصديق أو قريب أو جار عزيز، بدلاً من أن يكون صاحبك وفي وصديق صدوق ورجل، يرد الجميل وفوقه الشكر والعرفان بموقفك معه، هكذاً تُعضّ اليد التي تُكرِم.
تذكرت في السابق وأنا أتصفح إحدى المجلات قبل عشرين عامً، سطرين مكتوبين بالعنوان العريض، يقول العنوان البارز: إذا جاءك أحد الأصدقاء أو الأقرباء، يطلب منك المال، أو القرض، أو الكفالة المالية دعه يقبل يدك وقدمك ورأسك قبل أن تعطيه أي مبلغ، لأنك بعدما تعطيه النقود ستُقبل أصابع قدميه، وستُقبل الأرض التي يمشي عليها لتسترجع جزء من نقودك وليس كاملها.
كُنت دائماً صريح وشفاف في التعاملات المالية، وكذلك أمين وصادق مع نفسي قبل التعامل مع أي شخص.
ولذلك كُنت أحرص دائمْا وأتحدث مع الجميع المقربين والأصدقاء بالحذر الشديد من هذه التعاملات، والتي تكاد تكون على السجية، وتؤخذ بداية الأمر بالصداقة والعلاقة الطيبة، ولكنها نهاية الأمر وخواتيمه تنتهي في المحاكم الشرعية والخلافات الأسرية والاجتماعية هي الأبرز.
ما أن يخرج المال من جيبك أو القرض يتسلمه المقترض حتى تجعله في ودائع الله و أمانة الله حتى يعود لك، لأن الوفاء بهذه التعاملات المالية أصبح كابوساً يطارد الكثيرين، وأصبح في وقتنا الراهن قليل، وكأننا نعيش في زمان انسلخت منه القيم والأخلاقيات والصفات الإسلامية.
هل يا سيدي العزيز ستقوم بتسليف أحدهم بعد اليوم بدون ميثاق وعهد والتزام رسمي يُلزم الطرف المقترض ويقيك مخاطر السجن والأحكام القضائية؟، أقولها هنا ليس لإنهاء المعروف بين الناس وإنهاء عمل الخير ولكن لحماية نفسك وأسرتك وحياتك من بعض البشر الذين لا يردعهم رادع.
وختامًا خذ هذه النصيحة : أحرص قبل أن تُقرض كائن من كان ولو كان أقرب الأشخاص إلا عن طريق محامي رسمي ليكتب وثيقة ومعاهدة موقعة رسمية وعليها شهود، تُلزم الطرف المقترض بالسداد أو التنازل عن ممتلكاته مقابل الوفاء بالقرض والدين الذي تم اخذه منك، وبهذا لعل وعسى تنجو من طوفان قادم الأيام.