على مدى عقودٍ من الزمن ظل عطاؤه يتدفق بغزارةٍ على صفحات الأدب في الصحف والمجلات السعودية والخليجية حتى تجاوز ما نشره 500 قصيدةٍ ومقالةٍ ودراسةٍ وثَّقها في ثمانية كتبٍ وهي: (كيف تبدع القصيدة) و(من الحب) و(شذرات) و(الأحساء أصالة وعطاء) و(التجديد في الشعر النبطي) بالإضافة إلى ثلاثة دواوين مقروءة وهي: (مشاعر متعطشة) و(همس المشاعر) و(صدى الوجدان) فضلاً عن أربعة دواوين مسموعة.
عبداللطيف الوحيمد إلى جانب كونه شاعراً وكاتباً ومؤلفاً هو سفير للسلام وعضو هيئة الصحفيين السعوديين .. التقيناه وكان هذا الحوار:
تثقيف القصيدة النبطية …
حدثنا عن تجربتك الشعرية ؟
بدأت محاولاتي في كتابة الشعر العامي عام 1402هـ وكنت طالباً في الصف السادس الابتدائي في مدرسة الفتح بالأحساء وبعد تخرجي منها التحقت بالمعهد العلمي وتأثرت بمنهجه العلمي في العناية باللغة العربية وبعلم العروض والقافية فجرَّبت كتابة الشعر الفصيح ونجحت في كتابة قصيدةٍ عن المعهد أُعجب بها أعضاء هيئة التدريس فقدَّموني لإلقائها على مسرح المعهد ضمن نشاطه الثقافي بحضور مدير المعهد آنذاك الشيخ حواس الحواس ووكيله الشيخ عبدالله الحمام يرحمهما الله وأعضاء هيئة التدريس والطلاب وطبعت في لوحةٍ عُلقت في مدخل المعهد كما طُبعت في مجلة المعهد السنوية ومن هذا المنطلق تحمَّست لكتابة الشعر بضربَيه العامي والفصيح حتى نضجت تجربتي الشعرية وأصبح لي منحىً خاص في كتابة القصيدة النبطية وهو القصيدة المثقفة التي تعانق الفصحى لغةً وصورةً وثقافة وأصَّلت هذا المنهج في بحثٍ تنظيريٍ وتقعيديٍ للقصيدة النبطية الحديثة وهو أول بحثٍ من نوعه على مستوى الوطن العربي كتبته بلغةٍ أكاديميةٍ خلال ست سنواتٍ وطبعته في كتابٍ بعنوان (كيف تبدع القصيدة؟) وقد حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف بالإضافة إلى شهادة شكرٍ وتقدير من نقابة مستشاري التحكيم الدولي والمحلي بمصر لقيمته العلمية والجهد المبذول فيه من أجل الارتقاء بالشعر النبطي حيث تناولت فيه قواعد القصيدة النبطية وبنائيتها وفق مفاهيم النقد الحديث وزناً وقافيةً وفكرةً وأسلوباً وضروراتٍ شعرية بالإضافة إلى مظاهر التجديد في الشعر النبطي الحديث ونماذج إبداعية منه لشعراء وشاعراتٍ من جميع دول الخليج مبوَّباً بأبوابٍ موسَّعةٍ في شرحها لقضايا الشعر النبطي وأحكامه ومفاهيمه ومصطلحاته ومدارسه الفنية وهو كتاب رائد في موضوعه غير مسبوقٍ في تناول بناء القصيدة النبطية الحديثة وأول كتابٍ يُنظِّر ويُقعِّد لهذه القصيدة للمجانسة بينها وبين القصيدة الفصحى في الثقافة اللغوية والفنية والفكرية فما كُتب من كتبٍ عن الشعر النبطي لا تتعدَّى تاريخه ونشأته وتسميته وبيئته وأصوله ورموزه وشوارده وفنونه ولغته وبحوره وأوزانه ومختارات منه وجاء هذا كتابي ليسد ثغرةً في المكتبة العربية ويُلبِّي حاجة القارئ لمعلوماتٍ علميةٍ وفيرةٍ عن ركائز القصيدة النبطية وقضاياها وفق منهجٍ علميٍ وبلغةٍ أكاديميةٍ وتقصٍ دقيقٍ وشرحٍ مفصلٍ ووافٍ ومباحثه العلمية ممكن تقسيمها لدوراتٍ تدريبيةٍ لمبتدئي الشعر لصقل ملكاتهم الشعرية .
إنصاف الشعر النبطي …
ماذا تتمنى من المؤسسات الثقافية تجاه الشعر ؟
أتمنى من جامعاتنا السعودية إنصاف الدراسات والبحوث العلمية للشعر النبطي ومنحها درجة علمية أو شهادة فخرية كالشهادة التي نلتها لقاء بحثي التنظيري والتقعيدي للشعر النبطي الحديث من مصر كما أتمنى من الأندية الأدبية التسامح مع الشعر النبطي الذي أقصته من لائحتها التنظيمية وإفساح المجال له عبر مناشطها المنبرية جنباً إلى جنب مع الشعر الفصيح وطباعته وطباعة دراساته وبحوثه حيث لم يعد شعراء الفصحى في وقتنا الراهن يتحسَّسون من الشعر النبطي مثلما كانوا سابقاً وذلك لكثافة ما يتلقَّونه من هذا الشعر عبر مختلف القنوات الإعلامية والثقافية وعبر حناجر كبار المغنين والمغنيات في الوطن العربي الأمر فرض وجوده وجعله مستساغاً لدى النخبة لاسيما بعد أن تسنَّم سنامه شعراء كبار ارتقوا بخطابه اللغوي والفني والفكري والثقافي بهندسةٍ علميةٍ ومهارةٍ فنيةٍ اكتسبوها من ثقافةٍ عاليةٍ وخبرةٍ واسعةٍ وتعليمٍ رفيع فزاحموا بذلك شعراء الفصحى وعقدوا هدنة صلحٍ مع الشعر الفصيح بعد سنينٍ من الحرب حتى بات الشعر النبطي شعراً متجانساً مع الشعر الفصيح في ثقافته اللغوية والفنية ولم يعد النخبويُّون يأنفون من سماعه ولا حتى من كتابته والتعاطي معه حتى أن بعضهم طفق يكتبه مع كتابة الفصيح ولا يتحرَّج من إلقائه في المحافل والمناسبات وكذلك أتمنى من هيئة الترفيه إدراج الشعر ضمن برنامجها الترفيهي جنباً إلى جنب مع الحفلات الغنائية وذلك بإقامة أمسياتٍ شعريةٍ راقيةٍ ترضي جمهوره العريض وتنشر مساحات الجمال لأن الشعر من أجمل الفنون الأدبية إن لم يكن أجملها على الإطلاق فهو كفيل بنشر الجمال بين الناس الجمال الوجداني والفكري والأدبي والفني وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا) والشعر يجمع الحكمة والبيان ورقة الشعور والعاطفة ورهافة الحس والذوق وسمو الخيال والمغزى ناهيك عن الثقافة الفكرية التي نحتاجها لنرتقي بمجتمعاتنا في أدبياتها وتعاملاتها لذا أتمنى من هيئة الترفيه تبنى إحياء أمسياتٍ شعريٍةٍ على مسارح فخمةٍ كفخامة مسارح الحفلات الغنائية تكون كل أمسية لأكثر من شاعرٍ أو شاعرة من عموم مناطق المملكة ويتخلل كل ثلاث قصائد وصلة غائية لأحد المطربين أو المطربات وتكون لكل قصيدةٍ خلفيةٍ موسيقيةٍ عبارة عن تقاسيم هادئةٍ بآلةٍ موسيقيةٍ معينة ويُدعى لهذه الأمسيات جمهور في حجم جمهور الحفلات الغنائية من خلال دعايةٍ قويةٍ ومكثقةٍ وواسعة وبحضور شخصياتٍ مرموقة على غرار أمسيات مهرجان هلا فبراير في الكويت وأمسيات برنامج شاعر المليون في الإمارات العربية المتحدة.
الشعر يبنى المواطن …
كيف ترى أهمية الشعر الوطني في بناء المواطن؟
للشعر تأثير في المتلقي منذ قديم الزمن وقد لعب أدواراً كبيرةً في حياة العرب منذ جاهليتهم وحتى إسلامهم وقد استعان به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذَّب عن الإسلام وهجاء الكفار حيث قال عليه الصلاة والسلام لحسان بن ثابت اهجهم وروح القدس معك وقال لكعب بن مالك اهجهم فإن كلامك أشد عليهم من رشق النبال كما سمح لهما بإلقاء الشعر في المسجد لانتصارهما للإسلام ودفاعهما عنه لذا فالشعر وسيلة لبناء الأفراد والمجتمعات وتغذية المواطن بمقومات المواطنة من الولاء والانتماء للوطن والذود عن حياضه والذب عنه وحفظ الذمار فهو يغرس فيه الحب والانتماء ويقوِّي فيه الولاء للوطن ولقادته ويجعل منه مواطناً صالحاً وبناءً وفعالاً وها نحن نرى من فضل الله تعالى انتشار الشعر الوطني بين الشعراء فلا يكاد يوجد شاعر من مملكتنا الحبيبة إلا وله قصائد وطنية ولا يكاد يوجد مواطن إلا ويتغنى بالشعر الوطني ويحبه يتأثر به.
الشعر أكثر انتشاراً وقبولاً من الرواية …
ماذا تقول لمن يقول أن الشعر ضعيف أمام الرواية ؟
أقول أن هذا الكلام يناقض الواقع حيث يبدو انتشار الشعر أكثر من الرواية والتأثر به أكثر من الرواية والإقبال عليه أكثر من الإقبال على الرواية وذلك لسهولة حفظه وتداوله وترديده من قبل الكبير والصغير والرجل والمرأة كما أنه منتشر عبر الدواوين المقروءة والمسموعة وعبر قنوات التواصل الاجتماعي والإنشاد أو الشيلات فأين الرواية من كل ذلك؟ والتي تنحصر في كتبٍ قليلة القراءة وأفلامٍ عزف الكثير عن مشاهدتها في عصرنا الحاضر.
أتوقف عند النص الإبداعي …
مَن مِن الشعراء الذين تقف عندهم وتتابع نتاجهم الشعري ؟
لا أتوقف عند شاعرٍ بعينه وإنما أتوقف عند النص الشعري الإبداعي لأي شاعرٍ سواءً كان مشهوراً أو غير مشهور معروفاً أو غير معروف الأهم هو القيمة الفنية والجمالية للنص بصرف النظر عن منشئه.
المسابقات الشعرية صنعت شعراء …
ماذا تقول عن المسابقات الشعرية؟ وهل لها دور في تطور الشعر ؟
المسابقات الشعرية في الخليج بالتحديد مسابقات قوية ومنظَّمة تنظيماً راقياً ومدعومة دعماً قوياً وذات تأثيرٍ بالغٍ في الحركة الشعرية أبرزت شعراء لم نكن نعرفهم من قبل وصنعت شعراء تنافسوا بقوةٍ مع بعضهم البعض فأنتجوا شعراً إبداعياً لافتاً يردده الكثير من المتلقين وأثرَت المشهد الشعري بطيفٍ جميلٍ ورائعٍ من الشعر المثقف والرصين والبليغ وأتمنى من منظمي المسابقات الشعرية ألا يقيِّدوها بالتصويت وإنما يدعوها لمقياس الإبداع والقوة والرصانة والتميز الفني كما أتمنى غياب المحسوبية عنها وتقديم الأجدر والأكفأ والأفضل والأميز الذي يضفي الجمال في حياتنا الشعرية ويفرش الورد في قلوبنا فما أحوجنا لشعرٍ راقٍ يصور وجداننا ويرتقي بأذواقنا وثقافتنا وإنسانيتنا.