من محض أيامنا السابقة واللاحقة، سأُسقط كلامي هذا على سلوكياتنا بالإشارة..
ــ نمكث بالأسواق ليل نهار، لشراء الأواني الخزفية، والتُحف الأثرية، والمصنوعات اليدوية.. وفي نهاية المطاف، نشرب في كأسات الأجبان الفارغة، ونأكل في أواني المعادن المُتراهقة، وكل ما تكبدناه على حساب صحتنا.. على أرفف الحماية للضيوف بالتخزين، وخلف أقفال ومفاتيح التأمين!
ــ نسكن في قفص أزواج البلابل بالتغريد، وساعة ما نُخطط لشراء أرضٍ للبناء والتعمير.. أغلب خيالنا يميل ويجنح للمجالس الواسعة، (والسراديب) المُتسعة، لساعاتٍ معدودة فقط بالسنة أو الشهر أو اليوم.. وكل ما تكبدناه على حساب صحتنا.. لأبواب موصدة وجدران مُتجردة بالخواء لمُجاملة الناس وبكاء الإحساس!
ــ نجمع المال، ونتغنّى بالدلال.. ونؤثث المجالس، ونلبس المحابس، ونُسابق الولائم، ونهول الحواصم.. وكل ما تكبدناه على حساب صحتنا.. لريالات محروسة بالبنوك، وإيادٍ مرصوصة لعدم معرفة معنى العطاء والوفاء!
ــ نقول ونُزمجر، ونصول ونُبختر.. وكل ما تكبدناه على حساب صحتنا.. لمدح المصالح، وتغليف المطامح، واستفاضة الجيوب، واستمالة الخطوب بالكلام الزائف، وطلاء الروادف!
ــ نحرس المال، ونعصر الغلال، وساعة ما نموت، يتوزع المتروف، ويُكتنز المعروف.. وكل ما تكبدناه على حساب صحتنا.. تتقاسمه البطالة، وتدّعيه (الهطالة) بالسُحت، وإمساك القنطار!
ــ على معول قوة سند الرواية (نرن ويرن).. حينما مات والد جاري، ولصيق جداري.. اتصل أحد عياله بسيارة الإسعاف، وناقش أفواه الهتاف.. فلا هاب ولا سلوى، إلا على أسرة المرضى، وادعاء الحُمّى هُناك..
فأوجسه الطبيب المُعالج بالتعجب والاستطراق: “تراك ما في شي يا أنت”!
فأجابه بالتهكم: “المريض أنت ولا آنّه”؟!
وكل ما تكبدناه على حساب صحتنا..
نعيشه بالبخل، وتوريثه للصُلب والترائب!
فكيف يحكم وتحكمون؟!
ختاماً:
من باب الحضور، ما مدى معرفتنا للفهم والوعي؟
بدايةً دعونا نُعرف كل واحدٍ منهما من مُنطلقٍ واقعيٍ مُبسطٍ..
فالفهم: هو إدراك الشيء بشكلٍ فرديٍ، أو جماعي، أو تعاضدي، لمصلحة أُحادية مُبطنة بالذاتية أو الأنانية الواضحة..
أما الوعي: فهو رؤية المُحيط من منظورٍ جماعيٍ بالمعرفة والشمولية والاتصال الفعال مع الجميع..
إسقاطة:
قد تختلط مع ثلة اجتماعية ونحوها، فتجد أصحاب (دلالة الفهم) يُغلفون الوصاية بالنصيحة، والإسهاب بالأنا في حديثهم، (وراح بنسوي)، ويستميتون للانتصار لأقوالهم واستنهاض عواطف جمهورهم ومن حولهم، ويمتصون الغيم العابر بأسلوبٍ مُقنّعٍ.. ويرتضون على الغير ما لا يحببونه على أنفسهم بالتقرير وكثرة التبرير..
أما الومضة الأُخرى لأصحاب الوعي..
فتجد جُلَّ كلامهم تكاملي بكلمات مُختزلة في (نحن، وفقنا، أنجزنا، فعلنا)، ويأثرون بحقيقة أفعالهم لا بعناقيد أقوالهم بالصدق والتضحية وشمولية الإيثار ونكران الذات..