لم (أُقرقع) في حياتي سوى ثلاث مرات، وحتى لا أُبالغ لا تتجاوز أصابع الكف الواحدة!
ولا أعلم لماذا؟!
هل هو خجل مني؟!
أم لتخوف أهلي عليَّ؛ أو لتلك الحُقبة التي مرت علينا بين نظرات أبي، وكنف أُمي، ورعاية جدتي؟!
الشاهد في الأمر كنا كما هم كل الأطفال وتحركاتهم، يرصدون تباشير الفرحة من (كراكيش ملافع) الجدات، (وبخانق الأمهات)، (ولواليش) طين المسرات، وطباشير الطرقات.. بين أزقة الحارة (وعواير) المنارة، وأرصفة الممرات..
(المهم) كنا نختار أكبر (خيشة) أو (كيسة) أو (علاقة) مبيعات.. لنراهن على أنفسنا بين عيال أعمامنا وجيراننا بالتحدي الأكبر.. لحصد أكثر الكميات من (الربيان، والنفيش، وعلك أبو لمبة والطبعات، والنخج، والمخلط، والمصيع، وأصابع الزمن، والطابوق، والبسكوت المربع، وغيرها من التوزيعات)..
أتذكر أول مرة بحياتي خرجت بصحبة أبنة عمي، حيث أخذت جدتي توصيها بأن لا نجتاز مداخل الفريج الشمالي بالهفوف الثمانية (الخر، وصاباط السماعيل، والنزلة، وبراحة زكي، وصكة غويدري، والدحدرانة، والبراحة، وصاباط القريني)..
وبعد أن أخذت علينا المواثيق، أخذنا جولة سريعة وطاب لنا المقام، حتى اجتحنا بيوت (البر)، بطرق منازل البو خضر، وأقطار فريج جبل (الطوب)، ومحط سُكناهم هناك (البقال، والسعد، والبن صالح، والشوارب، والعلوي، والحريص، والعمران، والحرز، والزامل، والخليفة، والنفيلي، والخميّس، والحمد، والعثمان، وعلاو، والسيد، وغيرهم الكثير)..
حتى طال بنا المسير من (دروازة الخباز، وسوق الخميس، والجح، والبطاطس، والبصل)، إلى أُحجيات دكاكين المثلث، ومحلات الفلافل والمطبق، ونتافات الدجاج، ودكان مصنع بو خمسين للبن أبو زبدة، وعناوين سور المضخة المنخفض، ومسجد الشيخ جواد بو حليقة، وسُكنى تلك المنازل (الزكري، والدهنين، والجاسم، والشرقي، والهاجري، والفهيد، والموسى، والقريني، وأبو ناجمة، والوصيفر، والسالم، والعمر، والغريري، وغيرهم)
والكل منا يرفع صوته بين ضمة يده، ونقشات الحنة:
“حجه ومدينه يا الله
لقمه وسمينه يا الله”
“عطونا الله يعطيكم
بيت مكه يوديكم
يوديكم لهاليكم
ويلحفكم بالجاعد
عن المطر والرعد”
إلى أن عُدنا وأوتار قلوبنا مُترنمة بالعطايا الباهرة، والأيادي الزاخرة.. لرحلةٍ مليئةٍ بسكاكر المعارف، ورياحين الدعوات، وفنون الحفنات (المتروسة والمعفوسة).. بين تحقيقات التأخير لأُمي وجدتي، ومطولات المُعجم للهجة الأحسائية (باللغازّة للبجدة، والدفاشة للرجدة، والعكوكة، والسكونة، والشط بط، وعجيل الملح، وسجن حرامي، والطنب، وسوط الزنبور، والمطاريش لهريستكم في بيتنا، وريحة لقيماتنا عندكم بالحوي والأرسي والدهريز).