صحيح أن الهداية والصلاح من الله عز وجل، ولكن هل تصح الصلاة من غير الوضوء أو التيمم؟
فقد منّ الله علينا بالنعم والخيرات، فهل حسبناها وتأملناها؛ أم إننا تغافلناها ونسيناها؟
من هُنا سأُسلط وميض الضوء على حالنا الاجتماعي، ولعل وعسى أن نتدارك الأمور ونُغني السرور..
فقد عاش الآباء والأجداد (رحمهم الله، ومتعهم اللهم بالصحة والعافية).. على قدر استطاعتهم بالفلاحة، والحياكة، والتجارة، والتكسب اليومي.. إلى أن توارثناهم بالولادة لوجودهم، أو رحيلهم (طيب الله ثراهم وتجلى اللهم رُماهم)..
أجل، نعيش الدلال بين أياديهم، ونرتل الوصال بمآقيهم، وندخل صفوف التعليم، ونشمر عن سواعد الأعمال، ونجمع وريقات الأموال، ونشتري السيارات، ونطلب الزواج، ونُنجب الصبية والبنات، ونُعمر المنازل، ونحسب الفواصل، ونحرم أنفسنا من فضائل الخالق المُوزعة علينا بالتساوي وحُسن التدبير..
على كل حالٍ.. كم واحدٍ منا الآن يُلون اليوم الآخر بالسواد، فهذا يصل أهله، وذاك يرهق نسله بالتقشف (والجعاصة والرزالة والجحلطة).. فكلما ضممنا ربطة من النقود، اعتصرناها بين الوفود في صناديقنا المُتهالكة، وحساباتنا المُتسربلة بالعد والشد..
فكلما عَمَرنا دار ضاعفنا أدوار القرار.. بفتل النظر وكبح الوتر.. وكلما سالَّ لعاب المال منا تناقز لساننا بالحسرة والتحسر.. والنهاية “مال البخيل ياكله العيار”!
أجل، نمسح الدهن من شواربنا باليمين، ونُخلّفه لسواربنا بالشمال، ونكيل نهارنا ونحوّم أسرابنا.. حتى أن الوتيرة طالت بين التعداد والحرمان!
فمن باب كسر الحاجز، وتكثيف الحواجز بالنظرة الشمولية، حدثني أحد الأحبة عن رديفه بالحياة..
الرديف: (ما شاء الله عليك، معارفك واجد يالخوي بالزواج.. خلاص ما عرست ألحين أسحب عليهم)؟
الحبيب: (امممم.. الدنيا تتطلب التواصل والسؤال بالأفراح والأتراح، وهذا اللي علمونا عليه أهلنا الله يرحمهم)!
الرديف: (خل عنك المخاسير يا الرفيج، واجمع فلوسك، واترس احروسك، وما أحد بينفعك إلا جيبك يا فطيني بالرطين)!
الحبيب: (الله كريم)..
وقصة ذاك البخيل (الحِلس والأملس) الذي ارتحل، وأخذ أحد أولاده يُرسل بنص الرسالة قبل دفنه: “أبشرك الوالد مات”!
وتدور الرحى، وتتعاقب المجرات، وتتغيّر الممرات، وتتابع الساعات، ويزوج صاحبنا الرديف ولده، ولا أحد يُساعده إلا بتعداد لُقيمات الطعام (المفترة)، وفرقة الإزعاج (المحترة بالدفع وأنت صاخ وبالع إلسانك)!
وبعد (تكهرب) الوقت، (وفسفسة) ما تم جمعه بكل السنوات على أكثر تقديرٍ لخمس ساعاتٍ بصالة الأفراح، ووليمة العشاء، والمُعجنات، وأطراف العطر، والبقلاوة، والقهوة، والشاي، والمناديل، والمُدهنات، والمُسكنات..
هذا بخلاف الكرنفال الآخر في صالة النساء، فتلك (تركب رأسها إلا أن تشتري الفستان الفُلاني من دكاكين الشانزيلازيه)، والأُخرى تُخضب فأسها بالاستعراض (بأوريكم في غرور خدوج وصلوح، وكيكة حصوص ونيوف، بالمدخل، والطرحة، والجبون، والاستقبال، ولواليش الطقاقة توفي الزفنة)..
وبعد هذه (العجة والرجة)، يطلع، ويصعد جناب المعرس شقة زفافه بمنزل والده المعني (باللي فوق)، (والطبول ترنع للمواذنه)، (وفطور رايح، وعشا جاي لمطرحه بالغدنة)، “وصباحية مباركة يا عرسان”!
لتطول الدقائق بين المعاريس، فوالدة العروس تتبختر في ممشاها بالبهجة لسعادة بنتها، وأُم العريس تُطأطئ برأس التحسب على بخور مجمر فك السحر (والخرفنة لولدها) !!
وتمضي السنوات، ويشيخ الأب، ويكون مكانه الغرفة الداخلية بالبيت، وكلما صاح لطلب الماء أُعطي (الأُذان الصمخة) من زوجته.. فتتعثر خُطواته بالزيادة، وتتعاقب أياديه بالريادة.. لتوجعه على سرائر مُستشفى العجزة وتوزيع الأملاك!.