قد ينجح البعض منا في اجتياز المراحل الدراسية ويحصل على أعلى الشهادات ولكن قد لا ينجح في الحياة العملية وإدارة العلاقات مع الآخرين فيحدث الصراع والخلاف مما يدل على أن الشهادات وحدها لا تكفي لسعادة الإنسان ونجاحه بل يحتاج إلى مهارة «الذكاء العاطفي»، فما هو الذكاء العاطفي؟ وكيف يكون الإنسان ذكي عاطفيًا؟ وهل هو ضروري لنجاح الحياة العملية وكسب العلاقات؟
صحيفة «شاهد الآن الإلكترونية» كان لها وقفة مع المدرب النجم والأستاذ القدير محمد الحريجي أحد الرموز البارزة في العطاء والقصص الملهمة للنجاح لنعرف تفاصيل أكثر عن الذكاء العاطفي.
* بداية عرف القارئ بنفسك؟ من هو الأستاذ محمد؟
محمد الحريجي .. فقط لا أكثر .. واحد من الناس يحاول جاهدًا أن يقدّم ما يرضي الله أولًا ثم نفسه وإن اكتمل الأمر برضا الآخرين فلله الحمد والفضل والمنّة.
* ما هو مفهوم الذكاء العاطفي؟
ـ بعيدًا عن التعريف بشكله التقليدي الذكاء العاطفي ينقسم إلى نوعين من القدرات الأولى فردية وهي مرتبطة بمعرفة الفرد لذاته وقدرته على إدارة ذاته ومن ثم الوصول إلى خلق حوافز تدفعه إلى الفعل الإيجابي، القدرة الثانية هي الاجتماعية والمرتبطة بجانبين الأول منهما يقوم على مفهوم التفاعل مع الآخر والتمكّن من خلق فرص تعايش إيجابي والثاني يقوم على بناء العلاقات وتوسيع دائرة العلاقات الإنسانية.
* هل هو فطري أم مكتسب؟
ـ في اعتقادي كلاهما صحيح، قد يكون لدى البعض فطريًا ولكن هذا لا يعني عدم القدرة على ممارسته والتدرّب عليه والتمكّن من متطلباته.
* ما الفرق بينه وبين الذكاء العقلي؟ وما هي أهميته؟
ـ الذكاء العقلي قائم على القدرة على التحليل والربط وقد تطور مفهوم الذكاء بمسمياته المختلفة منذ البدايات الفعلية التي بدأ الحديث عنها جاردنر وما يعرف الآن بالذكاءات المتعددة والتي أفضّل أن أطلق عليها اللغات العقلية المتعددة والتي يأتي الذكاء العاطفي واحدًا منها.
* متى أقول عن شخص أنه ذكي عاطفيًا؟
ـ عندما يستطيع أن يحقق أربع جوانب : القدرة على التعبير عن مشاعره – القدرة على معرفة مشاعر الآخرين تجاهه – القدرة على بناء شعور إيجابي لدى الآخرين عنه وأخيرًا القدرة على التأثير على قرارات الآخرين باستخدام العاطفة.
* تحدث الصرعات والخلافات بين الناس لعدم فهم الآخر فهل هناك مهارات للذكاء العاطفي تدير أو تحكم هذه الصرعات؟
ـ هناك ثلاث آفات قاتلة للعلاقات بشكل عام وتحدث عنها الذكاء العاطفي بوضوح وهي انعكاس لما تتضمنه عقيدتنا الإسلامية.
الآفة الأولى: البعد عن التفسير والتحليل وهو فعل قائم على الظن وإن غلفناه بصور علمية ومسميّات كالتحليل والأنماط وغيرها – نعم هي عوامل مساعدة على فهم الآخر لكن جعلها قواعد نبني عليها والاعتماد عليها بأن مخرجها الصواب المطلق هنا تكون المعضلة – فهي لا تتجاوز مهما كانت القدرة على التحليل مجرد اجتهاد والاجتهاد فيه الصواب وعكسه.
الآفة الثانية: هي أحادية القطب وهي اعتقادنا أننا نملك الحقيقة والصواب المطلق أو أننا الجهة التي يجب أن تشير إليها عقول الآخرين، فنرفض كل ما لا يكون مصدره (أنا).
الآفة الثالثة هي تلك التي وعد الرسول عليه الصلاة والسلام تاركها بيتا في الجنة. (أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ) والمراء هنا هو الجدل.
لو ابتعدنا عن الثلاث أصبح أمرنا بخير وعلاقاتنا بخير.
* كيف نتعامل مع المواقف السلبية عاطفيًا؟
ـ يمكننا التعامل معها ببساطة شديدة جدًا في الفكرة ولكنها ربما تحتاج إلى الكثير من الممارسة والتدريب حتى نتمكن منها باستخدام استراتيجية من ثلاث خطوات:
الأولى: تعامل مع الحقيقة وليس مع التفسير ولا التحليل .. تعامل مع الحدث الذي شاهدت أو لمست أو سمعت (ما تدركه الحواس).
الثانية: أبحث الخيارات المتاحة كرد فعل (دائمًا هناك أكثر من خيار للرد).
الثالثة: اختر الخيار الذي يحوّل الموقف إلى إيجابي عاطفيا ويبني علاقة بدلًا من هدمها.
* هل حدث معكم موقف استخدمتم فيه الذكاء العاطفي؟
ـ كمدرب في بيئة التدريب الذكاء العاطفي يعتبر أساس وقاعدة هي للعاملين بالتدريب الأرض التي يقوم عليها هرم كيرك باترك التي نعبّر عنها بكثير من المسميّات كإذابة الجليد وصناعة الألفة وغيرها، وإن كان الأمر أكبر من هذا بكثير ويحقق ليس فقط أثرًا أوليًا إيجابيًا أو انطباعًا جيدًا بل يتجاوزه إلى خلق حالة من الشغف لدى المتدرب، وكذلك في قطاع العمل أن تكون في موقع قيادي يتطلب الأمر قدرًا كبيرًا من الممارسة الواعية للذكاء العاطفي للتفاعل مع فريق عملك والوصول معهم إلى الأهداف المنشودة.
* نحن كمجتمع برأيكم هل لدينا الوعي الكافي بالذكاء العاطفي أم نحتاج لتعلمه؟
ـ في اعتقادي نعم لدينا المعرفة الجيدة بالذكاء العاطفي بصورته العامّة ولكن الوعي به تحتاج منّا إلى جهد أكبر وإطلاع أكثر وأن نبتعد عن ما يتردد حول الذكاء العاطفي وحصره في صورة سطحية يغلفها اللون الأحمر.
* الذكاء العاطفي وإدارة الأزمات كيف يتحقق ذلك في ظل أزمة جائحة كورونا؟
ـ لنعد إلى مفهوم إدارة الأزمة قبل الحديث عن الذكاء العاطفي ونبحث ما هي عناصر التأثر الرئيسة فيه (فرد – موقف – قرار)، فالفرد الذي لا يستطيع معرفة ذاته وقدراته وإمكاناته ولا يستطيع إدارة ذاته هو فرد يفتقد إلى الذكاء العاطفي وبالتالي تعامله مع الأزمة لن يكون سليما بالقدر الكافي، أما الموقف: تحليل ودراسة الموقف تحتاج إلى حالة وعي وإتزان والشخص الغير متمكّن من مهارات الذكاء العاطفي أجده غير قادر على هذا الأمر، أما القرار: أي قرار اتخاذه يحتاج إلى اتزان بعيدا عن التوتر، الغضب، الخوف، الفرح، الحزن وغيره من صورة الاضطراب (عدم الاتزان) العاطفي وفي غياب هذا لن يكون قراره صائبًا بالقدر المطلوب وهذا ليس كلامًا مرسلا فقد أثبتته الدراسات والبحوث منذ 1936م حينما بدأت الدراسة على مجموعة من الطيارين وضباط المدفعية الذين نتيجة غيابهم عن التواصل مع المجتمع ومحيطهم الاجتماعي بدأت قدرتهم على إصابة الأهداف تضعف وكذلك في دراسة أخرى عام 1838م وقصة الإصابة الشهيرة لعامل البناء الذي أصيب في رأسه ففقد قدرته على اتخاذ القرارات السليمة بعكس واقعه قبل الإصابة.
* كلمة أخيرة تود قولها؟
ـ كلمتي الأخيرة هي ذات النص الذي أنهي به كل دورة أقدمها حول الذكاء العاطفي وأجعلها خاتمة حديثي حوله: الذكاء العاطفي ليس الحب ولا قصائد الشعراء، ليس رسالة كتبت باللون الأحمر نثر عليها عبير العطر، لكنه يقود إلى كل هذا، به نُحِب ونُحَب وبه نكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافنا.