كُنا ثلاثة قد صاحبنا القدر قبل أربع سنوات تقريباً، وفي شهر رمضان المُبارك، لزيارة أحد الروافد الخيرية، والقناطر الاجتماعية..
الشاهد في الأمر، أننا نزلنا من السيارة، أمام ذاك المرفق الصغير بحجمه، والكبير بتلمسه لاحتياجات الفقراء والمعوزين، وكُنه الإنسانية..
صناديق كرتونية مُصطفة يميناً، وأكياس بلاستيكية تضم أغطية المُشروبات يساراً، والأوراق المُتناثرة تزداد فوق أركان الحاوية.. وكذلك تلك الأيادي المُطرزة بعروق العطاء، والممزوجة بالسمرة والرخاء، والعمل الجاد، والمتواصل دون هوادة.. فما أعظم الرب سُبحانه، ورحمته التي وسعت كل شيء..
نعم، استقبلنا بكل حفاوة وترحيب، وأغصان خيرٍ وتطنيب.. إلى أن استقر بنا الرهام بمكتبه المُخصص، والواقع المُرصرص للفاعلية والتأثير..
سجادة ممدودة، ومسبحة موقودة، بين الطين، وأطياب العرين..
فذاك يكلمه بالاتصال، وهذا يُناقشه بالاحتمال، وشغله الشاغل تذليل الصعاب، وتحريك الخضاب بالقول والعمل..
نقاشات كثيرة دارت، وتعاميم وفيرة سارت، إلى أن حط بيَّ الوقت بالاستفهام:
“متى صحت يا بو مصطفى”؟!
التفت إليَّ بحيرة، ونوظره في زيرة، فزانه التبسم والإجابة:
أبواب الأجر كثيرة، ومن السهل معرفة مفاتيحها، ونوعية أقفالها..
فمخافة الله هي السبب، بتتبع الأحوال، وتماهي الحال والنوال..
إلى أن أردف قائلاً: لك أن تتصور ذاك التاجر الذي طال بماله البصائر، وحارت تجاهه البواخر.. لأن يأتي بالسؤال، وإماطة الأحوال، وتباريح الأجوال..
بلى، الدموع تُسايره، والأفواه تُعايره، ولولا القلوب الصافية، والأرواح الضافية، لما كُنا ولا كانوا، وسوح العُمر عنوان..
تلمست كفه للسلام، فكانت مُتفطرة.. ضحك مني، فأوجزت الطريق بنوح الكلام: هل تُمانع من إضافة الطاقة؛ وتراجيح البطاقة؟!
فأجاب: “خل هالشي بيني وبينك”!
أمثال هؤلاء الرجال، يستحقون من مُحيطهم التقدير، لا من أبواق التملق، ولكن من باب لا يُطال طائله، وتُدار معاوله، إلا بخيرة الناس، وقمة الإحساس..
فمن عرف الله، كرّم خلقه..
فماذا نقول لمن أردفهم الخبر، وحركهم الوتر، ونامسهم الحديث، وامتدحهم الشريف، “بخادم القوم سيدهم”
هذا هو كلامي، وبوح مرامي، وشوحي لكل مُتنصلٍ عن سنابل التقويم..
“فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق”..
فشكراً لك أيها الفلاح الهجري المُهاجر، والمُجدف البحار المُفاخر.. ولا يوجد ثمة اختلافٍ باعتقادي بين عذوق النخيل، وصارية الأشرعة، وكفى..