ما زلت أقول مثل الذين قالوا وصالوا بين الأنام: “الدنيا صغيرة”، “ومصير الحي يلتقي”، “والدنيا حجرة صغيرة”..
حقيقةً، من منا لا يعرف هذا السيد بأصله؛ ومن منا لا يعرف هذا السلسبيل بوصله؛ ومن منا لا يعرف هذا الجليل بتعليمه؛ وذوده وحبه لطلابه؟
فحين تذهب لحي الكوت تعرف قراره وتشتاق مساره، وتُدون بيوت جواره من أسرة (الملا، وأبو بكر، والعثمان، والجعفري، والعرفج، والحليبي، والسالم، والعبد اللطيف، والحافظ، والفلاح)..
عرفناه بحلمه، وعلمه، وطيبته، وحبه للأنساب والتواصل مع الناس..
فقد درسني مع ثلة من الأصحاب والأحباب مادة الحديث والتوحيد والتفسير، وكذلك البعض من أشجار التوت لحروف الأبجدية، ومعاني الضاد ذات النكهة السحرية، وثمار النبق لباسقات اللغة العربية..
كم مرةٍ رأينا دُموعه المُنسكبة فوق جلباب طالبه اليتيم، وحماسه لاستقبال هذا الرنيم.. فهل يتذكر الآن صولاته وجولاته بين أروقة مناهل العلم وينابيع الصلم؛ بأروقة مدرسة الجارود الابتدائية ومدرسة عمرو بن العاص المُتوسطة؟
لم تُنسني الأيام طريقة (سدلة) شخصية غترته، وانحناء (المرزام).. وطريقة دوران يده لإرجاع شماغه إلى مُقدمة رأسه الحريري، وحماسه في الشرح وتوصيل المعلومة.. وكيف تُنسينا الأيام مُطالباته اليومية بتوفير مياه الشرب للطلاب ساعة صيانة البرادات وحرارة الصيف..
ولا أُبالغ بأن أقول لكل من يلتقيه لأول مرة يشعر بمعرفته، ويتغنى بسيرته، ويطالب مُسايرته ومُساورته.. حيث يمتلك مهارة التواصل الحسية والشعورية المُجسدة بالحب والصدق والاحترام والاهتمام..
لم ألتقيه من عام 1420هـ، يوم أن جاء إليَّ مُحملاً بالتمر الهجري، والدبس القمري، لزيارتي وعيادتي بعد خُروجي من المشفى.. مما أثار حفيظة استغرابي بالتساؤل والتعجب لمعرفته بموعد حضوري في مجلس العائلة، وكان من أوائل الذين حضروا، وتسيدوا المكان بالترحيب والأمثال الحساوية، والقصص المُلتهبة بجمال السرد والدهشة على لسان الأجداد للأحفاد..
وبعد أن طال بنا الزمان، وزاد التحري عنه، وعن رقم هاتفه النقال، التقيته هذا اليوم على ومضة التوق والاشتياق لعُجالة حبات البلح من كلامه، وارتجافة فنجان البُن في نواله..
مسك الختام:
متع اللهم أُستاذنا بالعمر والصحة والعافية، وزاده اللهم من الآلاء مما لا تُعد أو تُحصى آمين يا رب العالمين..