الخُطوات تختال في مشيتها وأراضيها، والذاكرة تستزيد بطاقتها ومآقيها، والآفاق تستكثر من رجالها ونواحيها.. وكيف بي الآن وأنا أشتم الأنفاس؛ وأُدوزن الإحساس؛ بين أروقة مبناه وكُنه عطياه؟
قبل ثلاثة عشر سنة على وجه التحديد، أخذت أتعكز على مسير دربه، وأتأمل سِربه، ومعاني ركبه، بين هذا وذاك..
نعم، الأغلب منا يُردد بين طيات لسانه: “شكلك تعرف أبو إليسع”؟!
كان اسمه وما يزال يتمرجح فوق شُجيرات الليمون، وفتنة شفاه الرمان، ولا أنس ثمار الموسم، وحُصن الميسم.. فهل للتمر شارة وإشارة؛ أم للنخل بغية ومهارة؟
حين تتحدث عن الأحساء سوف تجد ثغره ومناره، وساعة مزج الطين، سترى روحه بعماره..
أجل، بعد أن تتابعت المواقع والمُنتديات ذات عُمرٍ مُنصرمٍ.. تراهنت الآمال والمقامات على تلك السيرة والمسيرة.. فذهبت إليه لأستشيره في ذلك الوقت لطباعة مسوّدة إصداري الأول “سيمفونية الكلمة”..
فقد كان درج مبنى مكتبه الهندسي القديم مُلتوٍ لليسار، بتعاقب المرحلة والاستراحة..
إلى أن تقف أمام بوابة هندسة استشاراته الزجاجي الأبيض والشفاف.. لتحار نواظرك حينها إلى أيُّ الجهات أسير/ تسير!
دخلت المكتب، وكان في استقبالي مضياف المكان من الجنسية الشرق آسيوية، ولعله من الجالية الهندية.. حيث كانت لحيته كثيفة وبيضاء، ويتسم بالهدوء والسكينة..
أنا: السلام عليكم صديق
هو: وعليكم السلام ورحمة الله
أنا: مهندس عبد الله موجود
هو: تفزل هو يشوف مهندس داخل ويجي..
دخلت مكتبه الخاص يميناً، وبه طاولة كبيرة، وعليها غترته البيضاء، وعقاله الأسود، (والقحفية المُشخلة)، وحاسبه الآلي، ووريقات مُتفرقة الألوان.. وتحوم حول أعواد الكراسي مُخيلة العصافير، ومآقي (الرجاجيل).. ورائحة العراقة التي تشتمها ما بين الكتب المُتناثرة من على تلك (الماصة) المتوسطة بالمكان.. وزغب الملائكة المُتناثر لاستحضار ذاك الزمان..
سُويعات قليلة ومعدودة وإذا به يدخل عليَّ حاسر الرأس معتذراً عن التأخير بالسلام وجميل المرام!
أخذت أعرفه عن نفسي، وفي نبرة صوتي هفوات الارتباك، ولم يحرز كسر الجمود إلا بالاسترسال لمديحه.. فأجابني على وجه الاختصار: “أنا أقل مما ذكرت”!
حماستي عن كتابي كانت واضحة، فزادها حماسةً بكثافة تشجيعه وتوزيعه بالابتسامات حتى صيرني مني إليه!
خرجت من عنده وكلي طاقة وإرادة، إلى أن طبعت الإصدار البكر بتعداد (2500 نسخة).. وبإسلوبٍ مُغايرٍ، وغير معهودٍ على الساحة من ناحية العدد وتصنيف المضمون.. حيث أن أغلب (الكتاب، والشعراء، والأدباء) إلى الآن على أكثر تقديرٍ يطبع الواحد منهم (1000 نسخة) لأي إصدارٍ بحوزته..
ولم يكتفِ المُهندس بهذا وحسب، فقد اشترى من عندي كمية كبيرة من هذا الإصدار، وبالسعر الذي أردته دون جدالٍ أو فصالٍ!
وبعد أيامٍ معدودة اتصل بي ثلاثة من أرباب السير، واعتقد أهل التوثيق والتأريج يعرفوا مكانهم جيداً..
ــ شيخ المؤرخين المرحوم: جواد بن حسين الرمضان
ــ المؤرخ الشيخ: حبيب آل جميح من القطيف
الأُستاذ: أحمد بن عبد المحسن البدر
وكل واحدٍ منهم يقول: “وصلني كتابك من “أبو اليسع”، واتصالنا بك نطلب سيرتك الذاتية”!
حتى زاد كرم المهندس على الأغلب بحسه للمسؤولية الثقافية، والفكرية، والتخصصية، والمعمارية، والفنية، والتراثية.. والقريب لصُحبته يُدرك ذلك من بداية العام الهجري 1400هـ وإلى اليوم 1441هـ..
هذا بخلاف تعريفي والذهاب معي لمنزل الأستاذ الأديب: مُبارك بو بشيت بالطرف، ومنزل الأستاذ الدكتور: أحمد اللويمي بالقارة وغيرهم الكثير الكثير..
نعم، لم تنحصر الجزالة لهذا، فأغلب كُتاب وكاتبات الأحساء دعمهم ولا يزال إلى يومنا هذا في صدارة الدعم.. سواءً بشراء إصداراتهم، أو تكفل مُنتجاتهم بكامل مواردها ومشاربها وإن كان البعض منهم وربما أكثرهم يقدر ويستطيع على طباعة مضامينه!
وهذا ديدن من يحمل هم الرسالة، يُبدع في الفكرة والوسيلة..
فأيُّ حسٍ ورثتك الباسقات شموخها؛ وأيُّ وجهٍ رأتك العيون سنامها؛ فهل تخجل الأنامل من ذكر اسمك، أم تطرب النفوس من تعاريف رسمك أيها الأب المُربي، والصديق المُعبي، والشريك الوافي في ضمير أزقة مقام الجُبيل؟
بلى، إنه الحاضر بين أضلاع الفسائل، والريحان في اخضرار الفصائل.. والدائم القول والسند: “أرى نفسي فيكم بالحب والإكبار يا شباب المُستقبل”..
فسلام الله عليك أيها البحر الهجري، والمُنظر الفخري سعادة المهندس عبد الله بن عبد المُحسن الشايب