قبل أيام كنت مع مجموعة من الأصدقاء ضمن منصة حوارية في نقاش عن أهم الجوانب الإيجابية التي أفرزتها جائحة كورونا، وما فرضه الحجر المنزلي على الكثير من المجتمعات والأسر في الاستفادة من الوقت المتاح لهم، وهم على مسافة واحدة مع بقية أفراد العائلة داخل المنزل، واستحداث أنماط جديدة من أجل التمتع بذهن صاف وقدرة على الإبداع.
واقعا يأنس الإنسان كثيرا عند الاستماع إلى تجارب الناس على الصعيد الذاتي والأسري والاجتماعي، فمن منا كان يتصور أننا يوماً ما سنجلس في البيوت وتغلق مؤسسات الدولة والمدارس التعليمية والشركات والمحلات التجارية أبوابها؟!، لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى تغيير مفاهيم الحياة اليومية والتأقلم معها داخل المنزل، واللطيف أن مؤسسات رسمية وأهلية بالإضافة إلى جامعات ومعاهد تخصصية كلها سابقة الزمن في وقت واحد عبر منصات التواصل الافتراضية للعمل بعيدا عن الضغوطات النفسية والجسدية التي قد يسببها الحجر المنزلي بسبب انتشار كورونا.
والشيء المستغرب أن مثل هذه البرامج والأنشطة لا يتم تسليط الضوء عليها بالشكل الكافي، أو بالأحرى لا تجد لها تلك المساحة الإثرائية الممكنة ضمن اهتمامات الأسرة بالشكل المناسب، في وقت كانت بعض الجهات الإعلامية تطرح عناوين برامجها ضمن محاضرات وندوات يراها شريحة من المجتمع أنها مكررة ولا تشبع النهم الثقافي المعاصر.
وعلى الرغم من كثرة البرامج وتعددها، تجد بالتزامن معها مساحة كبيرة جدا أشارت إليها إحصائيات، أنّ العزل المنزلي كان له أثر كبير على الأزواج، وارتفاع معدل العنف الأسري وحالات الطلاق، خصوصاً مع بقاء الزوجين وقت أطول في البيت، والحديث عن تصاعد الخلافات الزوجية والتي يراها بعض المختصين أنها حالة طبيعية، نتيجة عدم تكيف الزوجين مع بعضهم البعض، ومع متطلبات الأولاد اليومية وطرق التعامل الصحيحة مع مختلف رغباتهم وتوجيهها التوجيه السليم.
وقوف الدولة بمختلف مؤسساتها ضمن مبادراتها السريعة لاحتواء المرض وتخفيف حدته، ومواجهة التحولات الاجتماعية والاقتصادية بمهنية عالية، بالإضافة إلى تقييم مستوى التكاتف الاجتماعي تجاه كل من تسببت الجائحة في حرمانه من متطلبات حياته الأساسية والمحافظة على سلامتهم، كان محور الحديث مع الأصدقاء، بالإضافة إلى البرامج والأنشطة الكثيرة التي وفرتها وسائل التواصل لمختلف شرائح المجتمع من أجل الاستفادة منها في تنمية قدراتهم الفكرية وتوسيع مدارك الفهم لديهم ولأفراد أسرهم.
الملفت في النقاش ونحن على بعد خطوات من المرحلة الأولى لرفع الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها الجديدة، الحديث عن كيفية المحافظة على المكتسبات واستخلاص العبر منها، خصوصاً التوصيات الصحية، والأنشطة التي أسهمت في تنمية مهارات التفكير ورعاية المواهب وتحقيق الذات لدى الكثير من الأسر، وتحويلها إلى برامج عمل وخطة بناء يتم الاعتماد عليها على المدى البعيد، وتوجيه المسار الذهني نحو الأهداف التي ينبغي أن تكون عليها مستقبلا.
كل من كان قبل الأزمة يتخلف عن تخصيص وقت كاف لتنظيم وقته وتنمية قدراته وبناء ذاته والجلوس مع محيطه الأسري بسبب متطلبات العمل والارتباطات الاجتماعية المختلفة، أصبح في هذه اللحظة التاريخية الحرجة أكثر قرباً لتحقيق ما كان مفقوداً لديه في مواجهة تحديات الحياة الطارئة.