جاءت الشريعة الإسلامية بمراعاة مصالح البشر، وحفظ حقوقهم وتوفير كرامتهم، ومن هنا جاء مبدأ جعل الولي من شروط النكاح التي لا يصح إلا به، وذلك إكراماً لها بجعل امتلاك عصمتها أمر هام ليس من باب تمليكها له بل من باب الحفاظ عليها قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)،( سورة البقرة، آية 232)
أن من أصعب أنواع الألم أن يصبح الحق حلم يتمني صاحبة أن يتحقق فحق المرأة في الزواج حق مشروع في الشريعة الإسلامية ومنعها منه يعتبر عضل لها والعضل هو منع الولي المرأة من أن تتزوج بالكفء من الرجال إن طلبت ذلك، ورغبت به ورغب بها، والعضل محرم في الشرع، والأصل أن يراعي الولي مصلحتها، فللأب أن يرفض الخاطب، ولكن إن ردّ الخاطب بلا سبب أو لسبب غير معتبر فإنه يعتبر عاضلًا، وعضل النساء ظلم، ويترتب عليه آثار سلبية كثيرة على الأفراد وعلى المجتمع، وظلم المرأة وتعريضها للآثار النفسية والاجتماعية، وحرمانها من الزواج الذي هو حصن لها، وزيادة نسبة العنوسة في المجتمع، وحرمانها من الأنجاب.
يكون المنع بناء على تمسك الولي بعادات بالية وتقاليد ليست من الشرع في شيء أو نتيجة لأهواء شخصية كالرغبة في راتب أو انتظار من يدفع له في ابنته مهراً قيماً أو غيرها من الأمور الدنيوية والاقتصادية.
والعضل المنهي عنه في الشريعة الإسلامية له صور كثيرة، منها منع الولي اليتيمة من تزويجها لرجل غيره طمعاً في مالها، امتناع الولي أن يزوّج المرأة من الرجال الكفء إذا تقدم لخطبتها، امتناع الولي أن يزوج المرأة لعدم تكافؤ النسب، أو أنه من قبيلة أخرى، منع المطلقة أو الأرملة من أن تتزوج مرة أخرى، وغيرها من الصور التي تختلف باختلاف المجتمعات والأهداف.
والعضل له أسباب منها: التّنطع في تطبيق مبدأ الكفاءة، الغيرة الزائفة على المرأة، الاستفادة من خدمة المرأة في البيت، الجهل، الاستفادة من راتبها، النظر بأن ذلك إضرار بالزوج الذي سيراجعها إن كانت مطلقة.
اليوم ومع زيادة الوعي لدى المرأة وزوال شمس الأمية من مجتمعاتنا حيث إن الفتاة لم تكن تعلم في السابق أن هناك طريقا يجعلها تأخذ حريتها إذا كان وليها متعسفا في تزويجها، وأن لها ولي آخر وهو القاضي الذي يمنحها حق تزويج نفسها بقوة القانون عن طريق تقدم بدعوى لدى محكمة الأحوال الشخصية أو المحكمة العامة أن لم تكن هناك محكمة الأحوال الشخصية في المنطقة التي تقدم فيها الدعوى حيث نصّت المادة الثالثة والثلاثون من نظام المرافعات الشرعية الجديد في الفقرة السادسة على اختصاص محاكم الأحوال الشخصية بالنظر لدعاوى تزويج مَن لا ولي لها، أو مَن عضلها أولياؤها ، حيث أنها تتولى بشكل مباشر هذه القضايا حيث إنها تنقل الولاية إلى من هو دون وليها الأول إن كان كفؤا، وإلا فإن المحكمة تباشر تزويج الفتاة المعضولة، وكذلك نصت الفقرة الخامسة عشر من المادة الثلاثة والثلاثون على من لا ولى لها وثبت انقطاع وليها بفقد أو موت أو غيبه ويتعذر معها الاتصال بهم أو حضورهم أو توكيلهم ومن لا يعرف لها أب ومن أسلمت وليس لها ولي مسلم، حيث يضمن النظام للفتاة التي عضلها وليها الحق في التقدم للمحكمة والمطالبة برفع الولاية عنه ، وإجراءات رفع قضية عضل تكون بالتقدم للمحكمة المختصة ثم تعبئة نموذج صحيفة الدعوى تُسمى دعوى عضل ، ثم أخذ موعد عن طريق قسم الإحالات بالمحكمة، الحضور في الموعد المحدد وتقديم الدعوى تذكر فيها المرأة في دعواها أن المدعى عليه وليها في التزويج وقد عضلها فلم يزوجها، أو تقدم لها كفء وتعينه فرده فهو عاضل تطلب الحكم بإثبات العضل وانتقال الولاية لمن بعده أو للقاضي ، يستدعي القاضي الأطراف ويقوم بضبط حضورهم وتعرض الدعوى عليه فإن اعترف بالعضل صراحةً ينصح الولي و يخوف بالله ويؤمر بتزويجها, فإن وافق على تزويجها فيحكم عليه بذلك، وإن رفض التزويج أو لم يذكر سبباً مقنعاً للعضل فتنتقل الولاية إلى من بعده من الأولياء أو للقاضي ، إن أنكر المدعى عليه دعوى المدعية فيطلب من المدعية البينة فإذا شهدت البينة بالعضل يحكم بثبوت العضل وانتقال الولاية إلى من بعده من الأولياء أو إلى القاضي، وخصوصاً إن ذكرت رجلاً كفءً وعينته تقدم لخطبتها أو أحضرته, ورفض الولي تزويجه فإن ذكر سبباً شرعياً مقنعاً للرفض وإلا اعتبر عاضلاً ولا حاجة لإحضار بينة من المدعية على العضل.
أصدر وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور وليد الصمعاني تعميم بخصوص دعاوى العضل، حيث سمحت للمحاكم بعقد جلساتها في قضايا العضل وإجراء عقد النكاح خارج وقت الدوام الرسمي، وحصرت نظر دعاوى العضل على رؤساء المحاكم في حالة عدم وجود محاكم الأحوال الشخصية، وأن يتولى رئيس المحكمة الإشراف المباشر على إجراءات المصالحة في دعوى العضل، وأكد أن تفصل الدائرة القضائية في دعوى العضل المحالة إليها في الموعد المحدد لنظرها، إذا كانت صالحة للحكم. ولا يؤجل نظر الدعوى عن الموعد إلا عند الضرورة، مع بيان سبب التأجيل في مدة لا تزيد عن عشر أيام، ولا يجوز التأجيل للسبب ذاته أكثر من مرة، وعليها أن تفصل فيها خلال ثلاثون يوم من تاريخ إحالتها إليها مع الحفاظ على خصوصية أطراف القضية وسرية الجلسات.
يمكن معاقبة من يعضل المرأة بموجب نظام الحماية من الإيذاء بموجب المادة الأولي منه الذي ينص مكافحة الإيذاء باي صورة من صور الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر، متجاوزاً بذلك حدود ما له من ولاية عليه أو سلطة أو مسؤولية أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية. ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته أو ممن يترتب عليه شرعاً أو نظاماً توفير تلك الحاجات لهم.
بندر عبد الرزاق مال
باحث قانوني ومدرب قانوني معتمد
عضوية الهيئة السعودية للمحامين الانتساب الأكاديمي
عضوية جمعية الإنظمة السعودية جامعة الملك سعود
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com