طالب الأستاذ بكلية العلوم القانونية الاقتصادية بجامعة ابن زهر بالمغرب الدكتور محمد همام بضرورة الخروج من سجون التاريخ والمذهبية والانفتاح على مختلف مدارس التجديد بعقلية موضوعية فاحصة من أجل تشكيل خطاب نقدي فكري قادر على تحويل الدين إلى ذخيرة تنموية إنسانية بدلا من كونه مصدر إعاقة في المجتمعات المسلمة. جاء ذلك في ندوة فكرية نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي تحت عنوان “مدارس التجديد الفكرين بين المشرق والمغرب: نماذج وقضايا” وأدار الحوار فيها الاستاذ محمد الحمزة وذلك مساء أمس الثلاثاء
وبدأ المحاضر بالقول أن الحالة الدينية هي حالة عاطفية تلقائية ولا تتطلب استدلالات عقلية، والتجديد الديني يتعلق بالفكر وليس بالمنظومة الدينية، وأننا كمسلمين نعيش أزمة في الفكر ولا نمارس التجديد، كما أننا تجاوزنا سياقات التنازع بين المشرق والمغرب الذي كان سائدا في المرحلة السابقة. وبين أن السؤال الفكري برز في المغرب منذ الاستقلال وكذلك بعيد هزيمة 1967 وحرك أسئلة في عدة محاور أبرزها الدولة والثقافة والفكر والعلاقة مع التراث وكذلك العلاقة مع الحداثة والغرب، كما طرح سؤال الدولة في مقابل الأمة والمواطنون مقابل الرعية والحرية مقابل الطاعة وعلاقة الدين بالسياسة.
وأضاف أنه ظهرت عدة مدارس فكرية أبرزها المدرسة الإصلاحية التقليدية التي شكلت المزاج العام للنماذج الفكرية الأخرى (علال الفاسي وعبد الله قنون)، ومدرسة الفلسفة الإسلامية والمنطق (طه عبد الرحمن)، والمدرسة التاريخية (عبد الله العروي) والمدرسة الأبستمولوجية (الجابري). وأوضح أن اطروحات العروي وطه والجابري تركزت على قضايا التاريخ والعقل والتراث والحداثة، وجاءت مؤلفاتهم كردود غير مباشرة على بعضهم البعض، ولعبت الصراعات السياسية في تهميش النقاش بين هؤلاء المفكرين، فبينما كان العروي والجابري قريبين من العمل السياسي ظل طه عبد الرحمن بعيدا وغير مقبولا داخل اغلب التيارات الإسلامية.
وانتقل متحدثا حول تونس موضحا أنه برز تفاعل بين المدرسة الإصلاحية في المغرب وتجربة بن عاشور في تونس حيث ظهرت بعض اللمحات الفكرية لكنها اقحمت في الرهانات الحركية والسياسية، على الرغم من تفاعلها الواضح مع العروي وطه والجابري برهانات غير فكرية. وأضاف أنه بسبب موقفه من الحركات الدينية فقد تم ضرب حصار حركي وتنظيمي على المفكر مالك بن نبي في الجزائر واجهضت تجربته بسبب ذلك، وفي مصر جرت محاكمات فكرية واعتراضات على عبد الوهاب المسيري ومحمد أبو القاسم حاج حمد (السودان) وتحولت بذلك لمقبرة لأبرز المفكرين.
وأضاف أنه في لبنان ظهر فكر نقدي اتسم بالجرأة والشجاعة في لبنان من قبل الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله، وكان هناك تفاعل كبير في الشام مع فكر الجابري الذي نوقش وكتب عنه كثيرا. وفي العراق برزت كتابات السيد محمد باقر الصدر خارج المنظومة الفكرية الدينية وكذلك الدكتور طه جابر العلواني والدكتور عبد الجبار الرفاعي. وبين أن مجلة “قضايا إسلامية معاصرة” أسهمت وبشكل كبير في كسر الهواجس والحواجز بين المفكرين السنة والشيعة وعرفت بالجهد الاصلاحي الكبير للعديد من المفكرين الإيرانيين مثل عبد الكريم سروش وحسن نصر ومحمد مجتهد شبستري ومصطفى ملكيان، موضحا أن هذه الجهود قدمت جرعة نقدية كبيرة خارج سجون التاريخ والمذهبية التي نشأت وتكونت في ظل سياقات سابقة لسنا مسئولين عنها، فنحن مسئولون عن حالة فكرية جديدة ومستقبلية خارج أي تصنيفات.
وأكد أننا نحتاج لميثاق فكري يقوم على أساس انقاذ الإنسانية، ومن أجل بناء فضاء عمومي فكري يتاح فيه نقاش حر ونزيه يقبل التنوع وخلق حركة فكرية مفيدة للإنسان والابتعاد عن الاجتزاء والاختزال والنظر الى العمق النقدي لدى كل مفكر وباحث لنبني أطروحة نقدية متكاملة، مؤكدا على أنه لدينا مقومات بناء خطاب نقدي فكري لتحويل الدين إلى ذخيرة إنسانية للتنمية ولإيجاد حلول حقيقية في مختلف الحقول والمناطق من خلال بناء مدرسة نقدية لئلا يتحول الخطاب النقدي المعاصر لمشكلة كما هو الحال في كثير من المجتمعات.