تبقى فقط خمسة أسابيع على تسليم الفصل الخامس من رسالة الدكتوراةللمشرف، كانت اتصالاته والبريد الإلكتروني منه تمثل حلقة رعب في يومي!! حيث كانت المحللة الإحصائية تمر بضغط عمل مما اضطرها لتأخير التسليم عن الموعد المحدد بيننا ، مما جعلني أعيش سيناريوهات القلق في يومي كله ، صاحب ذاك القلق التهاب في الأسنان ،مما زاد الطين بلة ، قلق وألم لا يفتر ولا يسكن ، كنت عمداً أحاول تناسيه حتى أنجز المطلوب كان المفترض استلام 66 جدول احصائي للعمل عليه ، كنت استلم منهاما استطاعت له سبيلا ، وأراجعه بالاستعانة مع بعض الزميلات وأرجع لها بعض البيانات لإعادة التصويب ، لا اعرف كيف مر شهر عصيب ، سهر حتى قرب الفجر ، وعمل بالعمل ، وبالسيارة وفي القطار وفي كل وقت ، شيئاً فشيئاَ حتى بدأت أتحالف مع الوقت وبدأت أهدأ ، وأعود لأدراجي وبدأت الآلام تسكن تدريجيا مع يوم التسليم المحدد ، كنت حينها أعيش غمرة من فيض الراحة لا أستطيع وصفها، كنت أرغب بنوم طويل وسكون وانقطاع عن كل شيء !!
في شفرة الأمراض والأعراض تشير لويزا هاي أن كل ألم يمر في جسدك رسالة لك تخبرك بسر ما لا يعرفه إلا أنت، ولكن لانشغالنا في عوالمنا الخارجية انصرفنا عن الانصات لعالمنا الداخلية فباتت رسائل جسدنا تصرخ لكي نكف عن الفوضى والعبث الخارجي، لكي نتنفس، لكي نعيش اللحظة، وما قصص القلق والتوتر التي نعيشها بشكل متزايد ومضطرد إلا وله تبعات من الأمراض.
طلبت أحد الموظفات يومأ أن تستأذن لإعداد وليمة عشاء في منزلها، وفي صبيحة اليوم الثاني وجدت أم راشد بيد ملفوفة لنصف الساعد، وسألتها عن سبب الإصابة، فأخبرتني أنها تفاجئت بعدد المدعوين الكبير، وأضف لذلك أن الضيوف من خارج المنطقة قد حضروا مبكرا، وهي لم تنهي جزء كبير من أطباق العشاء، فغضبت كثير مما جعل الماء الساخن يصب على يدها لتحرق بحروق من الدرجة الثانية!! سألتها هل كنت غير مقتنعة بالوليمة أو رافضة؟ فأجابت نعم!! فقلت لها جسدك رفض ما رفضته أفكارك وترجمته الإصابة.
حينما نغضب أو نحزن أو تسوء ظروفنا بدل من أن نفكر بالحلول، نفكر للأسف بالأسباب وننصرف وننشغل لماذا حدث هذا ؟، فتغلب علينا المزيد من خلطة الأفكار المشوشة التي لا يحتمل ثقلها الجسد فتحدث عندها الأمراض والاصابات تدريجيا.
كلما زاد الوعي عن أهمية الأفكار الموجبة وعن دورها في قيادة وتيسير دفة الحياة، كلما نعمت بحياة ناضجة، وعلى النقيض الأفكار السالبة ودورها القيادي في الخذلان والعيش على هامش الحياة.
لكل عرض يصيبك أو مرض له جذور من المشاعر المبطنة التي تمسكت أنت بها، حتى أخذت بيدها وظهرت على السطح، فلو كنت شخص تعمل في بيئة عمل، وأنت غير مرتاح وتشعر بعدم التناغم معه، عندها ستلاحقك آلالام مبرحة في المعدة والانتفاخات ومع استمرار التجاهل لها وعدم فهمها ستتحول لأمراض متنوعة تصيب الجهاز الهضمي، وستكون حقيبتك، وسيارتك وغرف نومك وثلاجتك مليئة بأدوية المسكنات المختلفة، ومئات الوصفات الشعبية التي تسكن ما تحرك وتحرك ما سكن، ولا فائدة تطال إلا رحمة الله تصيبك فتنجيك منها ومن كل كرب!! ولو فهمت ألمك النفسي من عدم ارتياحك للعمل ومعالجة أسباب عدم الارتياح لكفتك وغدوت بطلاً لقصتك.
صديقتي فرح لديها ولد يافع ومميز في أخلاقه ودراسته، وقررت مع والده لنقله لمدرسة أخرى بغية المعلمون المميزون عن مدرسته الحالية، لكنها لاحظت أن أبنها قد اعتراها شيء من الضيق النفسي والألم والعزلة رويدا رويدا، وفجأة فقد الأبن قدرته على المشي حتى أصبح صديق الكرسي المتحرك في غضون شهرين!! حتى زارت عدد من الأطباء والمعالجين والرقاء والكثير من الوصفات والخلطات الشعبية، وقد اخذت إجازة من العمل بدون راتب لتعكف على علاجه، كانت المحطة الأخيرة التي رغبت أن تزورها بعد ترتيب الحجوزات هي الطبيب النفسي الذي كان مقرر زيارته بعد أسبوعان لضغط العملاء عنده، فسالتها هل الولد رافض النقل من مدرسته ومرافقة أصحابه القدامى ، فسكتت برهة ثم قالت والله ما أعرف ، ولم يعبر عن ذلك ، فباشرتها بالحديث أغلب الأبناء يفشلون في التعبير عن مشاعرهم والافصاح عنها فتختزن تلك المشاعر على مرجل ومع مرور الأيام يجسدها المرض ، فعلا ناقشته ،وفعلا بمجرد الحديث أنهالت دموعه بأنه يرغب بمدرسته القديمة وزملاؤه وأنها خائف من غضب والديه ورفضهم ، بعد مرور أسبوع تم ارجاع الأبن لمدرسته القديمة ، وعادت عافيته بشكل تدريجي وعادت بسمته كالنور التي أحيته و محبيه من جديد .
كثيرا منا بحجة الضغط الاجتماعي ورغبة إرضاء الآخرين ننفق الكثير من صحتنا النفسية والجسدية لينعكس بدوره على متاعب جسديه غير مفهومة تتجسد برسائل ألم أو حكة أو مغص أو ألم نفسيأما أن تفهم وتعالج في حينها أو تتحول لأمراض ونغدو رهينة الأدوية التي تعبث فينا بلا رحمة أو هوادة.
أسال وعيك عن كل ألم يمر بك، وستفهم حينها سبب ضيقك النفسي أو حتى مغص بطنك وقد يكون السبب هو سماعك أن الطعام هذا لربما مليء بالسموم أو غيرها من الشائعات التي تصب علينا كالمطر ليل نهار فتخاف فيظهر ذلك الخوف بشكل ألم!
أحد زميلاتي كانت تعاني من التهاب جرح في يديها بصورة دورية، وتأخذ لأكثر من أسبوع مضاد حيوي، والأغرب أن جرحها لأكثر من عام!! فسألتها عن سبب تكرار الالتهاب، فقالت لا أعرف سوى أنه مؤلم جدا، وأتناول الكثير من المسكنات فقلت لها هل اصابتك بالجرح في المرة الأولى كانت إبان موقف عصيب تعرضت له! قالت نعم بعد خلاف شديد مع أحدهم، ثم تذكرت أنه بعد كل خلاف معهم يرجع الجرح يلتهب من جديد!! ثم سألتها هل ترغبين اكمال حياتك بهذه الصورة أم تكملين مشوار التسامح والتغافل والمدارة، ختمت بقولي هي حياتك وأنت من يختار أما العيش الطيب أو …. ولك الخيار.
ختاما لاتكن غريبا عن جسدك أفهمه وحاول فك شفرة رسائله لك، وتذكر أن حياتك غاليه ونفسيه عليك أولاً ثم محبيك ثانيا، تعلمكيف تقرأ تلك الرسائل فهو يتحدث لك فهل تجيد فن الاصغاء له؟.
التعليقات 1
1 pings
زائر
20/12/2020 في 11:41 م[3] رابط التعليق
ما شاء الله
حقيقة موضوع في غابة الأهمية
ويجب نشر مثل هذه الثقافة الهامة
والجميلة بشكل واسع بين طبقات
المجتمع
بارك الله فيكم وفي جهودكم