بدعوةٍ كريمةٍ من أحد الأحبة والأصدقاء الذين يستحقون الشكر والثناء لخدماته الإنسانية الجليلة والصادقة في مزرعة جده، بضاحية إحدى عيون الماء في أحساء الحب والنخيل..
الشاهد في الأمر، حضرت على هذه الوليمة، مع كوكبة متنوعة من الأقمار الوجدانية، والأيادي الخيرية، والابتسامات الصافية والنقية، “لرجالات تلك الحواري الطيبة” .. التي لا تبحث عن الأضواء؛ فنتاجهم عالٍ بالتوثيق والتواتر من أجدادهم إلى أمهاتهم، وتسابيح صلواتهم، وخوص سجاداتهم، لعطاياهم النورانية والاجتماعية..
نعم، كانت الأجواء باردة، والنخيل متحركة، وكأن كل سعفة من فوقنا تناجي الأخرى، وتستمع لحكايات من يجلس تحتها، وتلتف بجلباب ليف دفء الشتاء “وأيام المربعانية”!
تداورت القلوب والأجساد حول صحون رز المندي، وإيدام اللحم المشوي.. وما أن تحط بيدك هنا، إلا وترتفع تلك برغيف تنور (الدوغة المتغريف) بالصالونة المختلطة بالخضروات والممتزجة بالعدس..
إلى أن تمايلت الرؤوس بسكرها للذاذة الطهي، ونظارة المحيا، وطيب المقام.. على صوت رقصات فناجين القهوة، وخواصر (استكانات الچاي المخدر) فوق ذاك الموقد الملتهب بحطبه الأحمر ودخانه الذي يشبه رائحة البخور..
صالت فينا السوالف، وجالت بنا الذكريات، لتلك الأعمار المتفاوتة على مزمار العم موسى وناي العم كاظم..
العم موسى: الله يسهل دربك يا “خويه كاظم”، ويوسع عليك من خيره وألطافه..
العم كاظم: وجودك بركة يا “خويه موسى، وخيرك سابق (عليّه بالأوله والتاليه”..
العم موسى: أفعالك الزينة مثل البخور بالفرجان وغيرها؛ ويا ليت يا “خويه” تعلم الأولاد والأحفاد سر الخير (اللي أنت فيه)..
العم كاظم: (والله يا خويه الأولين ما خلوا للتوالي شي، وأنت شدتهم وشمعتهم)..
فهل تذكر جدي وجدك ساعة ما كان يتحدث هذا للثاني بالضحى؛ وكأنهما يوصلون لنا وصايهم بلطائف الحديث الدارجة؟
إلى أن أنهى حديثه العم كاظم: ” إن طول عمري وخيري هذا كله، ونجاح أولادي وبناتي الأطباء، والمزارع، والبنايات.. من إهداء أجر وثواب أعمالي الومية الصالحة إلى أرواح اجدادي، وأمهاتي، وآبائي، وجيراني، وأحبتي، وأهلي، ولمن لم ينجب ذرية، وكافة المسلمين والمسلمات”.