في الندوة الثقافية والتاريخية التي نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي تحت عنوان “أسباب سقوط الأندلس: قراءة مغايرة” والتي قدمها الباحث في التاريخ والعقائد الأستاذ سامي العريفي وأدارها الدكتور علي النهابي مساء أمس الثلاثاء، تناول عدة مواضيع تتناول رؤية مختلفة ومغايرة لأسباب سقوط الأندلس. وأكد في حديثه أن الكثيرين يرجعون أسباب سقوط الأندلس والتي بقي فيها المسلمون ثمانية قرون، لعوامل تقليدية من بينها الابتعاد عن الدين وبروز الخلافات والنزاعات الداخلية وغيرها من الأسباب المتداولة والسائدة.
وأوضح العريفي أن هناك أسبابا أخرى جيوسياسية وسوسيولوجية لم يتناولها الباحثون بشكل واف، من بينها موقع العاصمة “قرطبة” في أقصى جنوب شبه الجزيرة الايبيرية مما جعلها بعيدة عن مواجهة القوى الإقليمية في الشمال، موضحا أن العاصمة كانت تشكل ثقلا سياسيا وجغرافيا ومركزا للجيش وإدارة الدولة والمال، وقد جرت العادة على تغيير عواصم الامبراطوريات بناء على التوسع الجغرافي والوضع الحدودي للدولة مع الخصوم، بينما بقيت قرطبة دون أي تغيير على الرغم من اختلاف الظروف المحيطة بالدولة. وأضاف أن عبد الرحمن الداخل اختار قرطبة عاصمة له لأن التهديد كان من الجنوب (العباسيين) وكانت الدول في شمال شبه الجزيرة ضعيفة، وبعد انتهاء العصر العباسي لم يعد هناك خطر يهدد قرطبة إلا من الشمال حيث مناطق الهجمات.
وقال أن من الأسباب أيضا تراجع مهارات القتال لدى العرب بسبب حالة الترف والميوعة والدعة، حيث تغيرت الطبيعة القتالية لدى الأندلسيين فقد كانت هذه المهارات أساسية وبارزة لدى الأجيال الأوائل من العرب والبربر القادمين للأندلس، إلا أنها تغيرت ولم يعودوا كما كانوا أهل حرب، وأصبحوا أكثر ميلا للحياة المدنية ومن بينها الانشغال ببناء المدن والاهتمام بالفنون، حتى كان الحكام يستعينون بجيوش من مختلف الطوائف.
وأوضح الباحث العريفي أن من بين أسباب سقوط الأندلس انتشار حالة التعصب الموجه للداخل الأندلسي يعتبر سببا آخر، في مقابل التسامح ضد الآخر ما أسهم في تدمير النسيج الاجتماعي الداخلي، والتاريخ ينقل أن الحروب الداخلية كانت أكثر ضراوة من حروبهم الخارجية. وأشار إلى أن التعصب اتخذ أشكالا وتمظهرات مختلفة حيث بدأ باتباع البربر للخوارج، والصراع العربي-البربري (الأمازيغي)، وإدخال الصميت بن حاتم للقيسية واليمانية، ثم تحول إلى تعصب على مستوى أندلسي مغربي، وقبليا بين العرب أيضا.
وفي جانب آخر من حديثه، بين العريفي أن المستوى الثقافي والحضاري في الأندلس كان أقل شأنا مما هو عليه في العراق (بيت الحكمة) وفي مصر (دار الحكمة)، والأندلس تدين بالثقافة والحضارة للشرق، وقد تمكن العرب والمسلمون من التداخل مع السكان الأصليين في شبه الجزيرة. وأجاب على أسئلة واستفسارات المشاركين من المهتمين بالتاريخ الأندلسي والمتابعين على منصة المنتدى.