تشغل بال الكاتب والكاتبة الكثير من الرؤى والأفكار التي يطمحون دائماً وأبداً الى تحويلها الى كتابات -أياً كان مجالها- يستمتع بها القُراء في مقالات أو قصص وقصائد وروايات، أو يرونها في البرامج والافلام والمسلسلات.
وفي لحظات دهشتهم وقمة انبهارهم قد يتساءل الكثير كيف كتب الشاعر هذه القصيدة، وكيف ألف ذلك روايته، وكيف صاغ فلان تلك القصة، وكيف حبك الكاتب الفلاني ذلك السيناريو المدهش؟ وهكذا تتوالى الأسئلة التي يبحث فيها الكثير عن شيء من خفايا عالم الكتابة المليء بالتحولات والتجليات التي تُغرقنا في بحار الدهشة، لتجعل الكُتاب أنفسهم يتساءلون في غالب الوقت عن الكيفية التي كتبوا بهذا هذا النص، أو ذلك المُنتج الادبي الفاخر؟
الحديث عن ما خلف كواليس الكتابة هو حديث ممتع للمتحدث والمتلقي، ففي طقوسها الكثير الذي يمكن الحديث عنه، وفي جنونها الكثير من الخبايا التي تستحق أن تظهر على السطح.. فيمكن للكتاب أن يشعر بإلهامها قبل نزولها، ويمكن للكاتبة أن تشعر بأوانها قبل التدفق بفترة.. وحينها فقط يمكننا أن نجلس بجوار مائدة الابداع وننتظر قدوم الدهشة.
الكاتب في بحث حثيث ودائم عن التقاط الفكرة تلك التي يمكنه أن يجدها في طاولة مقهى عابر، أو يسمعها في حكايات صديق لم يعبأ بها أحد، أو يستفز بها من خلال مواقف حصلت له في حياته، وربما يشع نورها أثناء قراءة جريدة أو رواية أو أي شيء آخر.. وما هذه سوى نماذج بسيطة فالفكرة تأتي في ملايين المواقع والاوقات وهي لا تهتم لأنها إذا أرادت المجيء حضرت قبل النوم أو اثناء العمل! أو حتى في أوقات أخرى تصعب فيها كتابتها!!
وحينها يتجلى الكاتب مع تلك الفكرة التي قد يكون قد طاردها أو طاردته، ثم يظل يتمحور متماهياً معها حتى تستيقظ الذاكرة فتدعمه بما يريد، وتتظافر الحياة لتكرمه بالمزيد، فيُكمل نواقصها بكل الأفكار التي تتجلى أمامه في شتى أوقات الحياة، وكما يقول أهل الصين (إذا استعد الطالب ظهر المُعلِم).
وفي أوقات أخرى يُصاب بتصحر شديد! فيقاتل ويناضل بالموسيقى وغيرها لكي يقتنص كلمة البداية وجملة الابتداء ولكنها لا تأتي!! يشعر حينها وكأنه فقد الذاكرة بل وكانه لم يكتب قط! وما أقسى ذلك الشعور حينما لا يجد المداد والورقة ما يجمع بينهما! ليُغادر مكتبه منتظراً فرصة أخرى.
وغالباً لا تتأخر الكلمات الوفية إذّ تعود بوفرة، وتتدفق في ذهنه بغزارة، فيشرع والابتسامة تعلوه في الكتابة ومن شدة تسابق الكلمات للصفحة يبدأ في محاولة ايقافها لتتناسب مع المساحة المُتاحة للنص.
والمشهد أثناء الكتابة تحصل فيه الكثير من التجليات التي قد تمنع الاصوات عن الكاتب، فيشعر أنه في عالم لوحده حتى لو كان في وسط الزحام!
وحينها تختلط عليه المشاعر فربما بكى عند بعض النصوص، وربما ضحك بصوت عالٍ عند نصوص أخرى! وربما جلس أو وقف في تارة أخرى! وأحياناً ينظر من النافذة أو يتناول لوح من الحلوى، وربما بادر من يجلس بجواره بسؤال قد يعتبره غريب، ولكنه يُشكل له أهمية تخدم النص.
وغيرها من الطقوس الغريبة والكثيرة والتي غالباً ما تجعل الكاتب حينما يلوح له التدفق يضرب معه موعد يختلي فيه بنفسه، أو يبقى في بيته ريثما تأتي اللحظة الفاتنة، وتنطلق الكلمات نحو السطور في عناق جميل.
حكمة المقال
تزاحم الكاتب الأفكار، وتقف العناوين في طريقه، وتتراقص الكلمات أمامه فيمضي ممتلئاً بالمقدمات والخواتيم، وبالمتون والعناوين، وبالسرد والشعر والحوار الى ما شاء الله.. فالكتابة ليست لها نهاية.