لا يوجد كلامٌ يطير به الهواء! ولا يوجد كلامٌ لا معنى له مما يسميه بعضنا (سواليف مجالس)! إنما هي كلمات تُردُّ في صحائف أعمالك فتُرصد في سجل الحسنات أو السيئات!
الكلمات سِهام تُصيب، وقد تجرح جرحًا لا يبرأ بمرور الزَّمن، وقد يعيش بعضهم سنوات يحاول (ترقيع) أثر تلك الكلمات التي أخرجها وقت الغضب فيعجز عن ذلك؛ إذ الخَرق قد اتَّسع على الرَّاقع.
وفي الأزمات الزوجيَّة تخرج عبارات من أحد الزَّوجين – أو من كليهما- تحمل سيلًا من السلبيَّة، فتعبث بجراحاتٍ غائرة في النَّفس، ويصل مدى تلك الطَّعنات إلى أبعد ما يكون في النَّفس؛ فإذا بتلك العبارات قد أصابت مقاتلَ الرُّوح، واغتالت مجاري الحبّ، فأنتجت أشخاصًا بلا أرواح، وحلَّ البُرود العاطفي محلَّ حرارة الحُب وصِدق الوداد! فقتلت الرُّوح وأبقت الجسَد شَبحًا فارغًا..
جِراحاتُ السِّنانِ لها التِئامٌ … وَلا يلتامُ ما جَرَحَ اللسانُ
هذه تقول: زواجي بك غلطةُ عُمري! وأخرى تقول: أنا صابرةٌ من أجل أولادي فقط! ما يستاهلني.. باعني! وقاموس لاينتهي.. وهذا الزَّوج يقول: ليتني ما عرفتك! وسامح الله من أشار عليَّ! وآخر يقول: لو رجع الزَّمن كنت ما فكرت الارتباط بك! وقاموس يُغذيه إبليس باستراتيجيَّة “جَمع المسَاوئ وتعميمها، وتناسي الحسنات وتقليلها”.
وهنا أعقِّب بنقاط ثلاثة في غاية الأهمية:
- الكلمات ترسل رسائل ضمنيَّة تكون أحيانًا أشد من الكلمات نفسها؛ فمثلًا حين يقول أحد الزوجين: غلطة عمري! فهذا يعني أن حياته مع شريكه حياة اضطراريَّة لا يحكمها سوى الضَّرورة فقط، وأنه لو تمكن في أي لحظة من الخروج من هذه الضَّرورة لسارع بالانفصال التَّام، وعبارة “صابرة من أجل أولادي” تعني بالضَّرورة أن الأبناء أولًا، وبقاء عقد الزَّواج لأجل بقائهم، كما تعني انعدام السَّكن، واضمحلال الحُب، وجُمود العلاقة! وهكذا بقية العبارات من هذا القاموس، فهي عبارات تفيض بالأسى والتضجُّر، وتفيد طلاقًا عاطفيًا حتى لو استمرت العلاقة الزوجيَّة.
- تلك العبارات في حقيقتها مصدر للسلبيَّة، فهي كفيلة بجعل العقل يتحرك في إطار الإحباط وخيبة الأمل، وهذا كفيل بقلب الحسنات إلى سيئات، وتأويل ما يحدث بين الشريكين على أسوأ احتمال، وصولًا لمراحل لا تُطاق من سوء التَّفاهم المفضي لسوء العاقبة، بينما لو توقفت تلك العبارات، وحاول الشَّريكان البحث عن نقاط الاتفاق، وجوانب الإيجابيَّة لأمكن التَّقارُب، وحُلت النزاعات!
- غالبًا ما تضرب تلك العبارات عمود الأمن الزَّوجي، والأمن الأسري للأبناء في مَقتَل إذا كان الخلاف على مَسمعٍ منهم، وهو ما يُحدث شرخًا عميقًا في نفوس الشريك أولًا، ثم في نفوس الأبناء، ويزرع الضَّعف في نفوسهم، وقد يحدث خللًا نفسيًا وكسرًا لشخصيتهم بحيث يعانون منه بقية عمرهم؛ فليس من اليسير –خاصة على الأطفال- العبث بمشاعر الأمان عندهم، فهو ركن أساس في تحقيق نموهم النَّفسي السَّوي، فما ذنب تلك الأرواح البريئة من تلك التصرفات غير المحسوبة؟!
وختامًا.. فما أسهل أن يتفوَّه أحد الزوجين بعبارة ثم يحاول طول حياته سَحب تداعياتها، ومَحو آثار إفسادها فلا يتحقق له ذلك!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مؤلِّف، وباحث لغوي واجتماعي
masayed31@