من غير اللافت للانتباه، ما سأتطرق إلى الكتابة عنه الآن، ولعله بات ضمن الأشياء المألوفة التي اصطلحت العين على رؤيتها وألفتها بشدة، حتى صارت جزءًا لا يتجزأ من منظومة الفكر لدى العديد من الشبان والشابات على حد سواء، ألا وهو ظاهرة خمول المعنويات وانكسار الهمم واتضاعها، وهي بما يحتّمه الحال وتقتضيه الضرورة ظاهرة حرية بالدراسة والتنقيب وتمريرها تحت مجهر الحقيقة المجردة، لا بإغضاء الطرف عنها وإلقاء الأسباب على قائمة من الاسقاطات الطويلة.
إن أولئك المطبوعين على صنوف الشكاية وألوان اللوم، ليسوا برازحين إلا تحت قيد واحد لا غير، متى ما تمكنوا من التحرر من نيره وربقته، أمكنهم المضي نحو ما يأملونه ويتحرّون تحقيقه بوتيرة أسرع وأعم راحة وسلاما. ذلك أن جلّ ما يعانونه يُمكِننا إيعاز أسبابه باختصار إلى كيفية تفكيرهم ونظرتهم تجاه أنفسهم، وحرصهم الدائم على الظهور بصورة كمالية في أعين الغير مهما لزم الأمر، غير مدركين أن مصادر التعزيز الخارجي قد لا تكون على الدوام متوافرة أو مكفولة؛ بسبب من روح التنافس حينًا، وبعض مما في صدور الغير حينًا، وصخب الحياة ومشاغلها غير المنتهيَيْن حينًا آخر. بالإضافة إلى العديد من الأسباب الأخرى التي قد نعلم بعضها ونجهل الكثير منها.
من المسلم به أننا نميل غالب الوقت إلى ما للكلمات البناءة المحفزة من عظيمِ أثرٍ في النفس البشرية، وأن من شأنها أن تلطّف من عناء الكفاح وتجعله أكثر استساغة وتقبلًا. فلا بأس ولا خلاف على ذلك. أما أن تكون هي المطلب الرئيس الذي من دونه لا يتم أي مطلب، والأساس الذي لا يستقيم في غيابه أي صرح، فلا.
مما لا ريب فيه أن المثابرة والعزيمة والإصرار والثقة يجب أن تنبع أولًا من قرارة النفس. ومن ثَم فإن الصورة الداخلية الواضحة المعالم كفيلة بأن تترك الانطباع الجيد المحمود في نفوس الغير. فلنا أن نتصور أن لو كانت مصائر الغاب وعلو أشجارها قد عُهد بهما إلى يد الفلاح وحده، إذن لَبارت البُذور وفسدت في جوف الأرض، وهلك الحرث وتقلص الظل عن مسرح الوجود، وأن لو لم يكن للمثير الاستباقي من وجود لما حظينا قط بأي ردة فعل على الإطلاق.
مهما يكن للفشل من وطأة مريرة جائرة، فما للخوف والتردد من عواقب يفوقانه مرارة ووطأة بأضعاف مضاعفة. ليس العالم بمدينة طوباوية تدين لنا بما نتوق إليه، ولسنا بمالكي القدرة على إيقاف ساعة الزمن ريثما تواتينا الظروف السانحة التي من شأنها أن تجعلنا أكثر توفزًا واستعدادا.
وقصارى القول فيما أفضت به أن الحياة ضرب من الأُحجيات تستوجب الصبر والأناة وتكرار المحاولة مرة بعد مرة لفكّ شفرتها، وأن الجازع القانط لا مغنمًا حاز ولا هدفًا أصاب.
﮼نايف،مهدي௸