في 23 أغسطس من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للقضاء على تجارة الرقيق، حيث تتبنى منظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو الاحتفال بهذه الذكرى حتى يعلم العالم بمأساة تجارة الرقيق وكيفية القضاء عليها وجاء اختيار هذا اليوم بالتحديد لإحياء ذكرى ثورة العبيد التي بدأت في جزيرة سانتو دومينجو الفرنسية التي هي اليوم هايتى التي كانت في أغسطس عام 179، وقد جاء في شريعتنا الإسلامية مبدأ العتق وأجره العظيم قال رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ”.
اليوم مع تطور العالم وفي ظل مبدأ العولمة وبفعل التطور العلمي والتقني والطفرة الرقمية فإن ظاهرة العبودية بشكلها القديم الذي أخذ العالم كله يتبرأ منها قد اختفت بشكلها القديم، ولكن بدأت بالظهور عبر أشكال جديدة في صور عديدة مثل الاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، وتجارة السلاح، وغسيل الأموال، والاتجار بالأعضاء البشرية، والاتجار بالعقول، والتي جميعها تلحق ضررا بليغا بالإنسان وكرامته، وإذا كانت العبودية بشكلها القديم مظهرا مستنكر في عالمنا اليوم، فإن ظهورها اليوم بصورة جديدة أمر خطير على الإنسانية ويشكل خطر على المجتمع وجريمة دولية بحق الإنسانية خصوصا حينما يتعلق الموضوع باستعباد العقول وليس الأجساد وسلب حريتهم بتوظيفهم واستغلالهم بما يعود بالنفع المادي على الجهات التي تستخدمهم، ومن صور العبودية اليوم ما يسمي ” السوشال ميديا” فهي من أشكال العبودية الجديدة التي يواجها العالم وتحتاج إلى بحث معمق من جميع جوانبها، التاريخية والقانونية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وغيرها، أن ما نعاني منه اليوم ونعيشه ونريد مناقشته في مقالي هو مفهوم العبودية الطوعية حيث أصبحنا مستعبدين بإرادتنا نحن لمفاهيم وأمور نحن أخترنا أن نكون عبيد لها، أن من أهم مفاهيم تحرير النفس من العبودية هي تحرير الفكر والروح من العبودية والاتجاه إلى منطق الاتساع وليس الضيق دون المساس بحضارتنا وهويتنا الثقافية والدينية والاجتماعية.
هناك نوع من العبودية هو أسوأ أنواع الاستعباد وهو ذلك النوع المغلف بالحب والارتباط فالمستعبد في هذه الحالة يتلذذ بعبوديته، والأسوأ من ذلك أن هذا النوع من العبيد هو الذي يسهم في خلق معبوده ويمده بطاقة القوة والبقاء وممارسة سلوكه الاستبدادي ويكون ذلك ناتج من شعور الخوف من الفقد أو خسارة من نحب أو ما تعلقنا به فنجده يسعى مستميتا في أن يحافظ على مكانته في قلوبهم، ويلبس لباس غير لباسه، ويؤدي دور لا يناسبه، ويقول رأي ليس برأيه، حينها يصادر حريته بنفسه ليقع في العبودية دون أن يشعر، عندها يكون قد وقع في أشد أنواع العبودية ألم بسبب أن تصرفاتك لا تكون غايتك ولا تكون تصرفاتك بمحض إرادتك بل هي شعور ناتج عن شعور بالضعف تجاه من يستغلك عاطفيــا وإحساس بالعجز والخوف من أن تفقد مكانتك عنده، الحب شيء سامي لا يباع ويشترى وإحساس أصيل يولد معنا ويموت معنا لا يصبح عظيما إلا إذا تجرد من كل مصلحة، عندها عليك أن تراجع حساباتك وتعيد ترتيب أوراقك وان لا تجعل حياتك متعلقة بشيء، مارس حقك في الحياة افعل ما يناسبك أنت وما تريده أنت فالحرية الحقيقية ألا يتحكم فيك احد فالحرية الحقيقة ألا تخضع لأحد سوى خالقك.
بندر عبد الرزاق مال
باحث قانوني ومدرب قانوني معتمد
عضوية الهيئة السعودية للمحامين الانتساب الأكاديمي
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com