الحياة كلمة جميلة، ولكن بحد ذاتها غريبه، نمضي فيها بسرعة البرق نلهث وراء قضاء حوائجنا وتدبير امور يومنا، نعيش بين الصراع والأمل وكثير منا من يعيش على مبدأ رد الصاع بصاعين دون أن ندرك أنها مهما استمرت سوف يأتي يوما وتنتهي، متجاهلين بذلك لحظة الفراق الحقيقية.
ليس من أحد على وجه المعمورة لم يعش تلك الحظة عندما يأتيك أتصال أو رسالة يخبرونك خلالها أن فلان أو فلانه قد فارق الحياة ورحل، تلك هي اللحظة الحاسمة التي تشعرنا بصغر الحياة في عيوننا مهما كبرت ففي هذا اللحظة تتجلى عظمة الخالق بصفاء القلوب والصدور من كل الأحقاد والضغينة والتنافسية وما كان يعكر صفو الحياة أتجاه ذلك الراحل، ويبدأ شريط الذكريات في المرور أمامنا بكل لحظاته الجميلة التي جمعتنا به أو بها، ولكن ما فائدة ذلك فقد رحل.
قال تعالي (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) سورة الرحمن:26-27، يخبرنا العزيز الجبار في هذه الآية الكريمة أن جميع أهل الأرض والسموات إلا من شاء الله سوف يمتون ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم، أذاً لا بد أن نقف عندها ونتأملها تأمل العاقل وأن نؤمن أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء، فلم الانشغال بتصفية الحسابات، ويبقى السؤال هنا هل ننتظر لحظة الرحيل من أجل تصفية القلوب؟
الحياة مهما طالت فهي قصيرة، فلا مبرر أن نضيع هذه الحياة القصيرة في خسارة علاقتنا واحبابناا من أجل أمور نعلم جميعنا أنها فانية ولن تدوم فجميعنا راحلون ولن يبقى إلا الأثر الطيب فهنيئا لمن عمل عملا طيبا وجعل حبه مخلد في قلوب من حوله يذكرونه به بعد مماته فكم من أناس رحلوا ومرت على وفاتهم سنوات طويلة، ولكن أثرهم باق ليومنا هذا يذكر بكل خير فأصحاب الأثر الطيب يبقون حاضرين بآثارهم وإن غيبهم الموت هم كالعطر يفوح عبيره وتجد آثار خطواتهم وكلماتهم وصورهم في كل مكان وزمان.
كم هم الذين رحلوا عنا فجائه ودون سابق انذار وكان رحيلهم مؤلم لنا والأشد من ألم رحيلهم ألم ما كان بيننا وبينهم من خصومه أو اختلاف سواء كان ذلك الاختلاف في الرأي أو أمر من أمور الحياة التي جعلت من الفرقة وعدم الارتياح عنوان لعلاقتنا بهم ولم نفق من كل ذلك إلا بعد رحيلهم عنا وفوات الأوان، أن ما فات قد فات فلا يمكن أن نعود بزمن إلى الخلف، ولكن الجيد في ذلك أن نتعلم من تلك الدروس وأن نجعل من رحيلهم موعظة وتذكير وتنبيه من أن نقع في نفس الفقد والألم مع أشخاص أخرين هم مازالوا موجودين معنا ويمكن أن نصلح ما بيننا قبل فوات الأوان فلا نعلم متى يومنا ومتى يومهم بأن نجعل من التعامل الطيب والأخلاق الحسنة والتعامل بالكلمة الطيبة والابتسامة نبراس لحياتنا وأن مهما كان حجم الاختلاف يجب أن يكون محصوراً في نقاط الخلاف وأن لا يتجاوز ذلك ويفسد علاقتنا، ضع من مقولة الاديب الراحل أحمد لطفي السيد عنوان لحياتك ” الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية” عنوان لحياتك يترجم علاقتة مع الآخرين حتى لا نخسرهم ونتألم بعد رحيلهم مرتين الأول بسبب الخلاف والثانية بسبب رحيلهم عنا ونحن مختلفين.
بندر عبد الرزاق مال
باحث دكتوراة بجامعة (مالايا) ماليزيا
باحث قانوني ومدرب قانوني معتمد
عضوية الهيئة السعودية للمحامين الانتساب الأكاديمي
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية جمعية مكافحة الاحتيال السعودية