قال الله تعالي (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 233)، عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ هِندًا قالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أبا سُفيانَ رَجُلٌ شَحيحٌ، وليس لي إلَّا ما يدخُلُ بيتي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (خُذِي ما يكفيكِ ووَلَدَك بالمعروفِ)، النفقة من الحقوق التي أوجبتها الشريعة الإسلامية على الأب ولا تسقط بسبب انتهاء العلاقة الزوجية، وبسبب أهميتها أوجبتها الشريعة حتى على الأقارب، على الرغم من اختلاف العلماء في حدود القرابة الموجبة للإنفاق، فعند المالكية أوجبها على الأبناء الصالبين والأبوين دون بقية الأصول، وعند الشافعية القرابة الموجبة للإنفاق قرابة الولادة حيث تجب نفقة الفروع على أصولهم ونفقة الأصول على فروعهم من غير تقيد بدرجة، وعند الحنفية تكون في القرابة المحرمة ولو لم تكن قرابة أولاد وتشمل الأصول والفروع والحواشي، وعند الحنابلة أن يكون القريب الموسر وارثا للقريب المحتاج، وجاء في الباب الثاني ” آثار عقد الزواج الفصل الأول النفقة” من نظام الأحوال الشخصية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/73) وتاريخ 06/08/1443هـ والذي يتكلم عن النفقة الشرعية بجميع تفاصيلها حرص من المملكة العربية السعودية على ضمان الحقوق الشرعية والاجتماعية والتربوية والنفسية سواء على المستوى الفرد أو المجتمع، حيث نصت المادة الخامسة والأربعون من النظام على ” النفقة حق من حقوق المنفق عليه، وتشمل: الطعام، والكسوة، والسكن، والحاجيات الأساسية بحسب العرف وما تقرره الأحكام النظامية ذات الصل” كما نصت المادة السادسة والأربعون من ذات النظام على ” يراعى في تقدير النفقة حال المنفَق عليه وسعةُ المنفِق” وهنا يقع مضمون ما أرغب في تناوله من خلال مقالي، ماهي المعايير التي تحدد الملاءة المالية والكفاية في تحديد مقدار النفقة بعد انفصال الزوجين حيث تقع كثير من المشاكل الخلافات ومن أهمها المشاكل والخلافات المالية التي تؤثر بشكل سلبي على الابناء، وبالرجوع لنص المادة (45و46) من نظام الأحوال الشخصية نجد أنها أوجبت النفقة لكن جعلت تقديرها لفضيلة القاضي وهيئة الخبراء بمحاكم الأحوال الشخصية بما يتناسب مع مقدرة المنفق ومقدار حاجة المنفق عليه، لكن ما هي المعايير التي تحدد عليها الكفاية والقدرة أو الملاءة المالية للمنفق؟
أن اختلاف المبالغ المخصصة للطفل بعد انفصال الوالدين من المؤثرات التي تؤثر على الأطفال بشكل مباشر فعادة ما يختلف المستوى المعيشي للطفل بعد الانفصال بسبب محدودية الدخل، عند تناول وضع الطفل قبل الانفصال نجد ان الانفاق عليه كان غير محدود وجميع متطلباته الأساسية والكمالية متوفرة بحكم أن الاب كان يصرف من غير تحديد سقف للنفاق بل كان المعيار الأساسي في الصرف يعتمد على الكفاية وتلبية الاحتياجات مهما بلغ سقف الانفاق أما بعد الانفصال فقد تغير وضع الطفل فقد أصبح مقدار الانفاق لا يتعلق بالكفاية بل بمقدار النفقة المحددة في حكم النفقة، مما يترتب عليه اختلاف مستوى المعيشة وقد يحتدم الأمر في حالة كان ذلك المستحق للنفقة في سن المراهقة، يقاس أو يقدر مقدار النفقة من قبل هيئة الخبراء بمحاكم الأحوال الشخصية حيث ينظر لمقدار الدخل و حجم الالتزامات التي على المنفق والعرف في تقدر النفقة دون النظر لمقدار الكفاية وتغير الأسعار والاحتياجات العمرية، قال عليه الصلاة والسلام (خُذِي ما يكفيكِ ووَلَدَك بالمعروفِ) ومنه يستنبط أن مبدأ الكفاية في النفقة قاعدة شرعية لا يمكن أغفالها، ومن أجل تحقيق ذلك المبدأ لا بد أن يكون قرار تحديد مقدار النفقة قائم على دراسة علمية وعملية وميدانية مبنية على أسس وقواعد صادرة من لجان مكون من أخصائيين نفسين واجتماعين ومختصين في الإدارة المالية والتخطيط المالي تقوم بدراسة كل حالة من حالات تقدير النفقة على حدى وبعدها تقدر النفقة، أن النفقة ليست مبلغ 300 ريال أو 500ريال تقدر للطفل من أجل تأمين المأكل والمشرب أنما هناك أمور كثيرة غير المأكل والمشرب فقد تغيرت الأزمنة ولا بد أن تتغير النظرة لمفهوم النفقة الشرعية مهم جداً والاهم من ذلك ليس تحديد مبلغ النفقة بل تحقيق المقصد الشرعي من تشريع النفقة حتى لا تصبح النفقة مجرد عبء مادي على المنفق ومبلغ محسوب على المنفق عليه مع حرمانه من أمور كثيرة بسبب عدم الكفاية.
بندر عبد الرزاق مال
مستشار وباحث قانوني
عضوية المجمع الملكي البريطاني للمحكمين
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية جمعية مكافحة الاحتيال السعودية
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com