يتم وضع عبارة تحذيرية دائماً على مرآة السيارة الجانبية مضمونها أن لا تثق فيما تشاهد فما تشاهده لا يعكس الواقع الحقيقي، وهذا هو واقعنا اليوم، ففي رحلة الحياة مهما طالت أو قصرت سنواجه الكثير من الأشخاص الخبراء في ارتداء الاقنعة التي لا تعكس الانعكاسات الصحيحة لما يحملونه في داخلهم من مشاعر وهذا ليس بمستغرب، فمنذ خلق الله تعالى الأرض ومن عليها وخلق الإنسان وبداخله الخير والشر، ولكن الامر المزعج والمؤلم أن هناك من يدخل في حياتنا ويصبح قريب جداً منا ولكن هو في الحقيقة مثل مرآة السيارة التي لا تعكس الصورة الحقيقة لما بداخله، ويتعاملون معنا بمشاعر تحمل الكثير من المتضادات فيصبح ليس من اليسير التعامل معهم وتحديد ما تحمله تلك المعاني والمشاعر التي بداخلهم من خير أو شر، فنقع في حيرة عند تعاملنا معهم فلا نعلم أي طريق أفضل الصمت أم التحدث، الاستسلام أم المقاومة، الرضا أم الغضب، الإنفاق أم الإمساك، القناعة أم الطموح، حينها تسكن بداخلنا سلسلة لا تنتهي من ثنائيات المعاني والمشاعر.
أن من أهم مبادئ القيادة السلامة، ومن أجل تحقيق ذلك المبدأ لابد من توفر العديد من العوامل ومن ضمنها المرآة الجانبية للسيارة وتعلم قائد المركبة كيفية استخدامها يمكنه من معرفة الانعكاسات الحقيقية لها وعدم الوقوع في الخداع البصري لما تعكسه، وهذا ما علينا فعله في الحياة أن نتقن فنون الرؤية ووضع كل من حولنا في الإطار والبعد المناسب له ولا نعتمد على ما يعكسونه لنا بسبب الثقة المفرطة، حتى لا نتفاجأ أننا وضعناهم في أماكن قد لا يستحقونها لعدم تقديرنا لأبعاد الصورة المنعكسة منهم، أن الأمر يستحق أن ننظر إليه بكل أهمية و يجب أن ندرك مقدار الألم الناتج عن تلك العلاقات التي نتبناها دون رؤية صورتها الحقيقية فكثير من لتلك العلاقات تبدأ تحت مظلة المشاعر الجميلة ولكن في أساسها مبنية على مآرب أخرى لا تمت لتك المشاعر الجميلة بصلة وتتضح بشكل جلل عندما يحقق هؤلاء الأشخاص مآربهم وتظهر صورهم الحقيقية، ومن أجل عدم الوقوع في شراك ذلك الخداع علينا أن نأخذ الحيطة والحذر ونعمل عقولنا ولا نجعل مشاعرنا تتحكم بنا، قبل أن نقدم أنفسنا وطاقتنا هديه لهم يستغلونها كيفما شاءوا، فقائد المركبة الحذر يعتمد على ما تراه عينه وليس ما تعكسه له المرآة، فالمواقف والتعامل هو من يكشف لك الحقائق وتجعلك ترى الصورة الحقيقية لتلك الانعكاسات وما تحمله داخلها من معادن فمعادن الناس لا تنكشف إلا في حالتين أما في وقت الشدائد أو عند انتهاء المصالح، وعلينا أن نتعلم من تجاربنا ففي بعض الأوقات قد لا يجدي النصح فائدة ولا يوجد بديل عن خوض التجارب من أجل أن نتقن فنون تقدير الأمور يقول برايان تريسي “كل تجربة هي تجربة بناءة فعالة إذا ما اعتبرت فرصة للنضج والتعلم والضبط النفسي”، أن الحياة الواعية تكمن في الرؤية الواضحة لمن حولنا وتجاوز التجارب القاسية وقلب موازين الضعف الى موازين قوة.
بندر عبد الرزاق مال
مستشار وباحث قانوني
عضوية المجمع الملكي البريطاني للمحكمين
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية جمعية مكافحة الاحتيال السعودية
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com