حينما بلغني خبر وفاة معالي الدكتور محمود بن محمد سفر وزير الحج ـ السابق ـ تذكرت قول شكيب أرسلان :
يا عَينُ مَهما كُنتِ ذاتَ جُمودٍ
فَلَا بكِينكِ دَماً عَلى مَحمودِ
وَلَا مطِرَنكَ مِنَ الدُموعِ سَحائِباً
تَروينَها عَن كَفِّهِ في الجودِ
ومحمود إن كان يعني اسم لعلم مذكر ، ” ومعناه في اللغة العربيّة هو الشخص كثير الحمد والمدح من الناس” ، أما محمود الذي أعنيه فهو معالي الدكتور محمود بن محمد سفر ـ رحمه الله ـ الوزير الإنسان الذي حمل أمانة خدمة حجاج بيت الله الحرام ، وزوار مسجد رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وكان أهلا لهذه الأمانة ، عمل بإخلاص وتفانى ، لم يكن باحثا عن مكتب أنيق أو سيارة فارهة ، فكان هدفه هو خدمة ضيوف الرحمن ، وأن يعمل بما يرضى الله حل وعلى ، وأن يكون محل ثقة القيادة التي اختارته لهذا المنصب ، ومن عمل معه يعرف كيف ومتى وأين كانت جولاته اليومية ، إذ كان ـ رحمه الله ـ يجوب شوارع مكة المكرمة وطرقاتها مطلعا بصورة مباشرة على الخدمات المقدمة للحجاج ، وكان رؤساء مكاتب الخدمات الميدانية في مؤسسات الطوافة ، وغيرهم من العاملين في خدمة الحجاج يتوقعون حضوره في أي وقت دون تحديد موعد مسبق أو تنسيق تسبقه فلاشات الكاميرات ، وإن قصده حاج حاملا شكوى فلا يخرج من عنده إلا وقد حلت مشكلته .
وأذكر أنني حينما تشرفت بالالتقاء به لأول مرة في دار والده ـ رحمهما الله ـ ، كان يوم تعيينه وزيرا للحج في 20 / 1 / 1414 هــ ، وقد أوصاه والده بالاهتمام بضيوف الرحمن وأن يكون رؤفا بالعاملين في خدمتهم .
ويوم حريق منى عام 1417 هــ شاهدته ـ رحمه الله ـ متابعا لعملية اخماد الحريق ، وظل يعمل ميدانيا ليتأكد من وصول الخيام لمواقع الحجاج بمنى نصبها وتشييدها قبل نفرتهم من عرفات .
وفي عهده شهدت مؤسسات أرباب الطوائف ( المطوفون ، الزمازمة ، الادلاء ، الوكلاء ) العديد من التنظيمات الإدارية فصدرت اللائحتان المالية والإدارية عام 1415 هـ والتي كانت أول تنظيم إداري ومالي تشهده مؤسسات الطوافة ومكتبي الوكلاء والزمازمة ، كما ظهرت في عهده الجمعيات العمومية لإقرار الميزانية بعد أن كانت عملية إقرار الميزانية بعيدة عن الأنظار ، لا يحق لأحد الاطلاع عليها ، كما فتح معاليه ـ رحمه الله ـ المجال امام الجميع لإبداء آرائهم ومقترحاتهم حول الخطط والبرامج التي تنفذها الوزارة ، ومؤسسات أرباب الطوائف ، وأذكر أنني رفعت لمعاليه دراسة حول بعض البرامج المقدمة من مؤسسات الطوافة ، وملاحظاتي عليها فلم يتردد في قبولها ، ووجه بتشكيل لجنة شارك فيها رؤساء مؤسسات الطوافة وجهات الاختصاص بالوزارة ، فغضب مني يومها بعض رؤساء المؤسسات ـ رحمهم الله ـ لأنني قلت مالم يجب أن يقال من وجهة نظرهم
وإن كان معاليه قد اهتم بالتنظيمات الإدارية فإنه لم يهمل الاهتمام بالأفراد فبرزة في عهده الدورات التدريبية والقيادية والتثقيفية للمطوفين والتي ساهمت في تطوير أداء العاملين في خدمات الحجاج ، كما برزت الحوافز التشجيعية أيضا من خلال تكريم المميزين في خدمة ضيوف الرحمن من العاملين بالوزارة ومؤسسات أرباب الطوائف والنقابة العامة للسيارات وغيرها ، وهو من وضع شعار ( خدمة الحاج شرف لنا ) ليكون شعارا للوزارة
. رحم الله معالي الدكتور محمود سفر ـ رحمه الله ـ ، وجزاءه خير الجزاء على ما قدم من عمل لحجاج بيت الله الحرام ، وزوار مسجد رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل مع الكاتب ahmad.s.a@hotmil.com