إن من أعظم الحقوق في الإسلام وأوجبها على المسلم حق الوالدين، ولذا نجد في القرآن الكريم أن المولى -سبحانه وتعالى- قد قرن حق الوالدين بحقه سبحانه فقال: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، بل وأوصى -جل جلاله- بالإحسان إليهما وحسن مصاحبتهما، والتلطف معهما في القول والفعل، والدعاء لهما بالرحمة، فقال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) } [الإسراء: 23 – 25].
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثِ آيَاتٍ لَا يُقْبَلُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا، أَوَّلُهَا قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعْ الرَّسُولَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، والثانية قوله تعالى :«وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» ، فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَالثَّالثة قَوْله تَعَالَى: «اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ»، فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
والمراد ببر الوالدين في الإسلام: الإحسان إليهما بجميع وجوه الإحسان، قولًا وفعلًا، وهذا يشمل الإحسان بالكلام الطيب وخفض الصوت، والصلة المستمرة، والإحسان بالخدمة وبذل المال وقضاء الحوائج، والرّفق بهما بمراعاة المشاعر وجبر الخواطر.
وقد جعل الإسلام بر الوالدين والإحسان إليهما سببا لكل خيرعاجل في الدنيا وآجل في الآخرة، وفي المقابل جعل عقوقهما وقطيعتهما موجبان لسخط الله على العبد، فقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (اثنان يعجلهما الله فى الدنيا البَغْىُ وعقوقُ الوالدين)
وقال كعب الأحبار – رحمه الله -: إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقًا لوالديه ليعجل له العذاب وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان بارًا بوالديه ليزيده برًا وخيرًا
وإذ نحن في شهر رمضان المبارك علينا أن نعلم أن بر الوالدين في الإسلام لا ينقطع بعد موتهما، فهناك وسائل عدة لبرهما بالعديد من الطاعات، والتي يتضاعف ثوابها خاصة في هذا الشهر الفضيل، والتي منها: الدعاء لهما، والصدقة عنهما، وهبة ثواب قراءة القرآن إليهما، وزيارة قبرهما، وأن نصل رحمهما وأصدقاءهما، فكل هذه الأمور تحقق الألفة حتى لو مات الوالدان كأنهما ما زالا معنا في الحياة، فبر الوالدين لا يتوقف بعد موتهما، فعن أبي أسيد الساعدي: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: نعم؛ الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما)(رواه أحمد والطبراني).
وينبغي على المسلم أثناء تعرضه لنفحات هذا الشهر ألا ينسى أن يخص والديه بالدعاء والاستغفار لهما أيضا، والاستغفار: هو طلب العفو والصفح والمغفرة، وهو أعلى وأغلى الأدعية، وهو دعاء الأنبياء لوالديهم كما قال نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[نوح:28]. وقال إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41].. وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام هذا الدعاء علامة على صلاح الابن، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : – إِذَا مَاتَ اَلْإِنْسَانُ اِنْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالَحٍ يَدْعُو لَهُ – رَوَاهُ مُسْلِم.
وثبت في مسند الإمام أحمد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟! فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» [مسند الإمام أحمد].
ومن صور بر الوالدين بعد وفاتهما إكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وقد جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا ملَّ ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه، فبينما هو يومًا على ذلك الحمار، إذ مر به أعرابي فقال: ألست ابن فلان؟ قال: بلى. فأعطاه الحمار، وقال: اركب هذا، والعمامة وقال: اشدد بها رأسك. فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت تروَّح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك؟! فقال: إني سمعت رسول الله يقول: (إن من أبر البر صلة الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يولي)، وإن أباه كان ودَّا لعمر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب سعودي، عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج “أفريقيا غير العربية”
للتواصل khalid.alawii@hotmail.com





التعليقات 2
2 pings
زائر
03/04/2023 في 11:11 ص[3] رابط التعليق
الله يفتح علي حضرتك ، مقال اكثر من رائع ، و ليت الابناء يتفقه هذا القول والعمل به.
عبدالوهاب علوي
07/04/2023 في 1:15 ص[3] رابط التعليق
جزاك الله خيرا مقال مهم في عصر أصبح الوالدين مهمشين في حياة أبنائهم وليت شعري من يفقه القول فيتع أحسنه والله ولي الأمر.