الكثير من أبناء مكة المكرمة يعرفون تماما حي المعابدة ، ومعرفتهم به مرتبطة بمعرفة مقر النجدة ـ الدوريات الأمنية حاليا ـ ، التي كان مقرها على زاوية للقادم من الشمال في اتجاه الجنوب ، وبهذا الحي عاش الشاعر والأديب حسين علي سرحان ـ يرحمه الله ـ ، الذي قال عنه الدكتور عبد الله الحيدري ـ رئيس نادي الرياض الأدبي ـ في محاضرة له بندوة الوفاء الخميسية بالرياض ” إن حسين سرحان ولد في بادية مكة المكرمة، والطائف وأَلِف حياة البساطة، وتأثرت نفسه بهذه البيئة البدوية حيث ضاق بحياة الحضر، وتطلع لحياة البادية لكونها حياة جميلة، فطرة نقية، يشعر فيها بحريته. فأُصيب بما يشبه الصدمة الحضرية، وكان عليه إما التوافق مع البيئة الحضرية أو رفضها، لذا فقد وجد نفسه غريباً في المجتمع الحضري المدني، فلجأ إلى العزلة منذ شبابه وحتى وفاته ” ، وعزلته هذه جعلته شاعرا صامتا ، رغم أن الحي الذي ولد وعاش به من أكثر الأحياء شهرة بمكة المكرمة ، ويقول عنه الباحث التاريخي عبد الله أحمد بالعمش أحد سكان المعابدة ، إن ” به قصور ودور اشتهرت من العهد الإسلامي، ولم يبق منها إلا ما أسس منذ عهد الأشراف والدولة السعودية، كما يوجد بها عدد من المقاهي الصغيرة والكبيرة، والمتنزهات والحدائق العامة على امتداد شوارعها، وبها أندية رياضية واجتماعية وأدبية وثقافية مثل نادي الكفاح الرياضي، والنادي الاجتماعي لمركز التنمية الاجتماعية ، ونادي ملتقى الأحبة ” .
وكان أحد طلاب مدرسة الفلاح ــ واحدة من بين أقدم المدارس النظامية في المملكة العربية السعودية، أسسها تاجر اللؤلؤ السعودي المعروف الحاج محمد علي رضا زينل ــ ، لكنه لم يكمل تعليمه فيها وخرج منها وأخذ في البحث عن لقمة عيشه من خلال عمله في العديد من الأعمال الحرة وهو في سن مبكرة ، ثم التحق بالعمل الحكومي متنقلا بين عدة وظائف في وزارة المالية، إلى أن أصبح رئيساً للجنة التنفيذية لتوسعة الحرم المكي الشريف .
عرف شاعراً مميزا ، وكاتب مقالات مرتبط بالطابع القصصي، فيما كانت قصائده تحمل النزعة الرومانسية ، عرف بشعره النبطي والفصيح .
قال عنه الدكتور عبد الله الغامدي ” إذا كان المتنبي (مالئ الدنيا وشاغل الناس) فذاك مجد صنعه لنفسه وهدف سعى إليه بقدراته، واشتغل عليه بوفرة حضوره وكثافة اعتداده بنفسه وخصوبة نتاجه في عمره غير المديد!! أما ضيفنا اليوم فإنه وإن شارك المتنبي في الفكرة إلا أنه خالفه في الآلية، فقد اعتاض عن الأحياء بالعزلة، إلا أن الحياة كانت حاضرة (وجدانيا) بكل أبعادها، وهذا ظاهر في شعره ونثره “.
قام نادي أدبي الرياض بنشر كتاب له بعنوان: ( آثار حسين سرحان النثرية : جمعًا وتصنيفًا ودراسة ) ، ويقع في ثلاثة مجلدات، ويتضمن مقالاته وقصصه ومقابلاته الصحفية.
وذُكرت له ترجمة كأحد شعراء الحجاز ضمن كتاب عبد السلام الساسي (شعراء الحجاز في العصر الحديث)، ونُشر له في حياته 3 دواوين هي الطائر الغريب، أجنحة بلا ريش، والصوت والصدى.
وفي مرثيته في ابنته (مزنه) ، التي ترجمها الدكتور غازي القصيبي إلى اللغة الإنجليزية ونشرت في كتاب (الريش والأفق) في أستراليا عام 1989م يقول :
أراك.. أراك في نومي وصحوي وفي بعـدٍ وفـي قـربٍ قريـب
أراك..على النمارق والحشايـا أراك علـيّ آخــذة دروبــي
أراك.. كخير ما يبهـي محيـأ على استضحاكه وعلى القطـوب
أراك على مـدى طـرف بعيدا راك على صدى صوت مجيـب
أراك مع الهـواء مـع الأمانـي مع الماء الذي أحسو (بكوبي)
أراك مـلأت أخيلتـي وقلـبـي وأحلامـي بكـل سنـى حبيـب
اراك وربمـا أبصـرت نفسـي خلالـك عبـر أوديـة الغيـوب
أراك.. رأتك عيـن الله خلـدا تضـوّع بالمباهـج والطـيـوب
أراك على النوافذ فـي ارتقابـي إذا استبطأت أوبي من ذهوبـي
أراك بكـل متـجـه بـشـرق وغرب فـي شمـال أو جنـوب
عليك على ضريحك كل (مزن) تهب به الريـاح مـع الهبـوب
تمج الغيث فـي مسـك شـذاهلـه أرج كتمـزيـق الجـيـوب
أرك إذا استطـار بكـل أفــقودف بوبـل هاطلـة سـكـوب
يؤم ثراك – مزنـة – إن قلبـي تحمـل كـل أحـزان القـلـوب
توفي يوم الأربعاء 7 ذو القعدة 1413 هــ ـ يرحمه الله ـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com




