إن كانت الدراسات أثبتت ” أن القراءة عملية معرفية وفكرية من شأنها أن تحفز العقل على العمل باستمرار، كما أنه من شأنها أن تحد من حدوث الأمراض العقلية المختلفة وأن تحافظ على بقاء الدماغ نشطاً وتزيد من قدرته على التركيز والتحليل ” فإنها بالنسبة لي شكلت مفتاحا للكثير من الأبواب المغلقة ، وابرزها التعرف على تاريخ مكة المكرمة العريق ، الذي لم أكن أنظر إليه باهتمام ، فتركيزي في بداياتي الصحفية انصب حول أخبار الشئون المحلية والتحقيقات واللقاءات والاستطلاعات المرتبطة بالمجتمع ، وحينما التقيت بالسيد خالد محمود علوي مدير تحرير وإدارة ـ مجلة الحج آنذاك ـ مجلة الحج والعمرة حاليا ، عرفني على الدكتور عاصم حمدان ـ يرحمه الله ـ ، رئيس تحرير المجلة ، والذي قال جملة لن انساها ” إن لديكم في مكة المكرمة كنز لا يقدر بثمن ، فحافظوا عليه وأظهروه للآخرين ” ، وحينما سألته عن هذا الكنز ، قال : ” مكتبة الحرم المكي الشريف ” ، وكلفني بعمل تحقيق صحفي عنها ، وكان ذلك بداية للتعرف على الدكتور عاصم ـ يرحمه الله ـ ، وبداية علاقتي به ، وكنت ألتقي به بين الفينة والأخرى بمكة المكرمة لدى الشيخ سراج عياد صديقه العزيز .
والدكتور / عاصم حمدان ، المولود عام 1373 هــ يعد وأحدا من ابرز الباحثين والمؤرخين السعوديين ، وأبرز من تناول تاريخ المدينة المنورة ، المدينة التي عشقها فكتب عنها وكتب بصحيفتها ،
كما كتب زاوية (ذكريات من الصُّفَّة) في المجلة العربية ، ليدون مذكرات شيقة ” ويلفت الانتباه عنوان الزاوية الذي اختاره الكاتب، ليعكس معاني متعددة تحمل عبق المدينة المنورة. فالصفة شاهد يحمل العديد من الدلالات والقيم الخالدة والمعاني السامية، على رأسها معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المرتبطة بأهل الصفة، فضلاً عن تخليدها قيمة خالدة من قيم الإسلام، هي رعاية الفقير. فهي مكان ارتبط بأكثر من ثلاث مئة من فقراء الصحابة كان عطف الإسلام يأويهم، ورعاية الرسول الكريم تحفهم.
وموقع الصفة في مؤخرة المسجد النبوي الشريف، في الركن الشمالي الشرقي منه، غربي ما يعرف اليوم بـ ” دكة الأغوات” . وأمر به النبي محمد فظُلل بجريد النخل، وأُطلق عليه اسم «الصفة» أو «الظلة». وقد أُعدت الصفة لنـزول الغرباء العزاب من المهاجرين والوافدين الذين لا مأوى لهم ولا أهل “.
وإن تحدث الدكتور عاصم ـ يرحمه الله ـ عن الصفة ، فإنه تناول أيضا الحديث عن ” الحصوة ” في كتاب صدرت طبعته الأولى عام 1419 هــ ، كما تناول الحديث عن حي الشامية بمكة المكرمة عبر كتابه ” أشجان الشامية ” .
وتلقى تعليمه العام في المدينة المنورة ، حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها بمرتبة الشرف الأولى من جامعة أم القرى في مكة المكرمة عام 1396 هـ ، أما الدكتوراه في الفلسفة فحصل عليها من جامعة مانشستر عام 1406 هـ، وكان عنوان رسالته: (أدب المدينة المنورة في القرن الثاني عشر الهجري: دراسة نقدية اعتماداً على المصادر المعاصرة).
وعمل أستاذاً في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة ، كما عمل مستشاراً غير متفرغ لوزير الحج ، وتولى رئاسة تحرير مجلة الطلاب الصادرة عن نادي الطلاب السعوديين في بريطانيا عام 1406هـ ، كما تولى رئاسة تحرير مجلة الحج الصادرة عن وزارة الحج.
عرف ككاتب عبر زاويته الأسبوعية في صحيفة المدينة بعنوان ( رؤية فكرية ) ، كما كتب زاوية أسبوعية باللغة الإنجليزية في صحيفة عرب نيوز .
ومن ابرز مؤلفاته : التآمر الصهيوني الصليبي على الإسلام ، ، المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ ، الأخبار الغريبة فيما وقع بطيبة الحبيبة ( تحقيق ) ، حارة الأغوات: صورة أدبية للمدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري ، حارة المناخة: صورة أدبية للمدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري ، أشجان الشامية: صورة أدبية لمكة المكرمة في العصر الحديث ، دراسات مقارنة بن الأدبين العربي والغربي ، ذكريات من الحصوة ، قديم الأدب وحديثه في بيئة المدينة المنورة ، وغيرها .
حصل على جائزة علي وعثمان حافظ لأفضل كاتب عمود صحفي عام 1996 ، وكرمه نادي المدينة الأدبي عام 2000 ، كما كرمته اثنينية عبد المقصود خوجة عام 2004 ، وكرمه أمير منطقة المدينة المنورة (السابق) الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز في ملتقى العقيق الثقافي في نسخته الرابعة عام 2010 ، وكرمته جامعة الملك عبد العزيز تقديراً لجهوده الأكاديمية وإنجازاته العلمية ومبادراته الثقافية والأدبية عام 2019.
توفي يوم السبت 24 رمضان 1441 هــ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر له .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com




