اهتمت المملكة العربية السعودية ببناء القواعد التشريعية والتنظيمية وحرصت على الموازنة العدلية التي تحقق السمو الإنساني للفرد والمجتمع وكان وما زال من أولى اهتمامات الدولة وحكامها حفظهم الله بناء الأسرة والحفاظ عليها وفق مقتضيات الشريعة الإسلامية وهذا ما جاء به نظام الحكم الأساسي في المادة التاسعة من النظام والتي تضمنت أن الأسرة نواة المجتمع ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية الصحيحة والولاء والطاعة لله ثم الرسول ثم ولي الأمر واحترام النظام وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه ومن أجل تحقيق ذلك صدر نظام الأحوال الشخصية بموجب المرسوم ملكي رقم (م/73) وتاريخ 06/08/1443هـ لينظم أحكام العلاقة بين أفراد الأسرة ويحدد حقوقهم وواجباتهم تجاه بعضهم البعض بما يحفظ سلامة الأسرة وحقوق الأبناء حتى بعد انفصال الزوجين ومن أهم تلك الحقوق هي حقوق الطفل المحضون والتي من ضمنها الزيارة حيث نصت المادة الرابعة والثلاثون بعد المائة من النظام ” إذا كان المحضون في حضانة أحد الوالدين فللآخر زيارته واستزارته واستصحابه بحسب ما يتفقان عليه وفي حال الاختلاف تقرر المحكمة ما تراه”، فعند النظر في ما جاءت به المادة نجدها قسمت إلى قسمين وهما في حالة التراضي و حالة الاختلاف، أما في حالة التراضي فالأمر يعود لي للوالدين في تحديد أوقات وآلية الزيارة المتعلقة بالأطفال، أما في حالة الخلاف فتكون الآلية أن يتقدم الطرف الراغب بالزيارة برفع دعوى قضائية إلى محكمة الأحوال الشخصية ثم تحال إلى مركز التصالح وأن لم يتم التوصل إلى حلول يتم إحالتها إلى محكمة الأحوال الشخصية وغالباً ما يقوم فضيلة القاضي ناظر القضية بتحويلها إلى هيئة الخبراء بالمحكمة من أجل تحديد آلية الزيارة.
جاء في المادة الثامنة والعشرون بعد المائة الفقرة (الثالثة) من ذات النظام والتي تناولت الحالات التي تسقط الحق في الحضانة ” إذا سكت مستحق الحضانة عن المطالبة بها مدة تزيد على (سنة) من غير عذر؛ ما لم تقتض مصلحة المحضون خلاف ذلك”، ولكن السؤال هنا ماذا أن سكت أحد الوالدين عن حقه في الزيارة؟ ماهي الآلية المتبعة معه؟ نجد أن الطرف المستحق للزيارة يتجاهل ويترك حقه في الزيارة لفترات قد تص إلى سنوات ثم يعود مطالباً بحقة في رؤية أبنائه وتكون تلك العودة ليست بهدف مشاهدة الأبناء ومد جسور التواصل والرعاية انما أسباب أخرى غالباً ما تكون أسباب شخصية بين طرفي النزاع، عند استقراء نصوص النظام ومقاصده يمكن القول إن المنظم والمشرع حرص دائماً على تقديم مصلحة المحضون وذلك لحمايته صحياً ونفسياً وعلمياً وتوفير بيئة آمنة له يستطيع من خلالها أن يكون فرداً نافعاً للمجتمع، فمهما بلغ الخلاف بين الأم والأب لا ذنب للأطفال أن يدفعوا فاتورة تلك الخلافات واستخدامهم وسيلة للضغط والانتقام أن من أخطر الأمور التي تؤثر على الأطفال هو تعرضهم للضغط والايذاء النفسي والذي قد يتسبب في أثار نفسية تظل معهم مدى الحياة وتكون سبب في عدم نموهم بشكل سليم من ناحية الصحة النفسية والسلوكية والذي سوف ينعكس في آخر الأمر على المجتمعات وهذا ما جرمه نظام حماية الطفل الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/14) بتاريخ 3 / 2 / 1436هـ حيث نصت المادة الأولى والتي تحتوي على ثلاث فقرات وهي على النحو التالي” أولاً: الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ثانياً: الإيذاء كل شكل من أشكال الإساءة للطفل أو استغلاله أو التهديد بذلك، ومنها الإساءة الجسدية : تعرض الطفل لضرر أو إيذاء جسدي، الإساءة النفسية : تعرض الطفل لسوء التعامل الذي قد يسبب له أضرارًا نفسية أو صحية، الإهمال : عدم توفير حاجات الطفل الأساسية أو التقصير في ذلك، وتشمل: الحاجات الجسدية، والصحية، والعاطفية، والنفسية، والتربوية، والتعليمية، والفكرية، والاجتماعية، والثقافية، والأمنية”، فما هي الطريقة السليمة للتعامل مع تلك الحالات؟ وهل ينظر هنا فقط لحق ذلك الطرف سواء كان الاب أو الأم في الزيارة؟ ما هي المعايير التي تستخدم لرفع الضرر النفسي عن الأطفال؟ هل يتم تهيئة الأطفال نفسياً من أجل التعامل مع ذلك الانسان الذي ظهر فجأة في حياتهم مطالباً بحقه الشرعي؟ أن جميع تلك التساؤلات تصب في مصلحة المحضون، وخصوصاً أن تعرض الأطفال لمثل تلك المواقف سوف يتسبب في ايذائهم النفسي الشديد، تقوم وزارة العدل بجهود عظيمة في تحقيق العدالة والحماية وبناء مجتمعات سليمه يسودها الامن والأمان وتحقيق مبدأ العدالة والمساوة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لتحسين جودة الحياة بطريقة مستدامة مستهدف بذلك الاجيال القادمة، ومن أجل تحقيق تلك المبادئ التي تتوافق مع ما تسعي حوكمتنا الرشيدة وتستهدفه من رؤية المملكة 2030 والتي أحد اهم محاورها مجتمع حيوي لا بد أن تكون قرارات هيئة الخبراء ناتجه عن دراسة تفصيلية بحثية بطريقة علميه منهجيه، ففتح باب الحوار ومناقشة الخيارات في موضع الزيارة أو الحضانة بين الوالدين فقط دون تعامل مع الأبناء محور القضية لا تكفي ولا تحقق مبدأ مصلحة المحضون، فدراسة حالة الأبناء النفسية والجسدية من قبل أصحاب الخبرة والعلم والاختصاص النفسي والاجتماعي في غاية الأهمية، حتي يتم تقيم مدى تقبلهم وفي حالة عدم تقبلهم يتم وضع برامج تساهم في إعادة تأهيلهم من أجل استقبال الوضع الجديد حتى لا تتحول نعمة الابوين إلى نقمة تؤثر في سلوكياتهم وحياتهم المستقبلية.
بندر عبد الرزاق مال
مستشار وباحث قانوني
عضوية المجمع الملكي البريطاني للمحكمين
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية جمعية مكافحة الاحتيال السعودية
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com