منذ أيام قليلة ومع بداية شهر ذي القعدة الجاري، دخلنا كمسلمين تحت مظلة الأشهر الحُرم الثلاثة المتتالية.. ذي القعدة وذي الحجة والمحرم (الشهر الرابع هو رجب، وهو شهر مفرد)، وقد سميت حُرُمًا لأن الله – تعالى- حرم فيها القتال بين الناس، لهذا وُصفت بأنها حرم جمع حرام كما قال الله – عز وجل-:”إن عدة الشهور اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم” (التوبة:36).
كما قال – تعالى-: “يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير” (البقرة:217)، ودل ذلك على أنه يحرم فيها القتال، وذلك من رحمة الله بعباده؛ حتى يسافروا فيها بأمان وسلام، ويحجوا ويعتمروا.
وقد فضل الله – جل وعلا- الأشهر الحرمعلى سائر شهور العام (عدا شهر رمضان)، وشرفهن على سائر الشهور. فخص الذنب فيهن بالتعظيم، كما خصهن بالتشريف، وذلك نظير قوله تعالى: “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى” (البقرة:238).
والأشهر الحرم أشهر مباركة، أجزل الله – عز وجل- فيها الثواب لمن عمل صالحاً، ولاسيما شهر المحرم (أول شهور السنة الهجرية) فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: “أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل”.
وفي الحديث عن أبي بكرة – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال : “السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان” (رواه البخاري).
وفي تأكيد لحرمة الأشهر الحرم، قال تعالى: “فلا تظلموا فيهن أنفسكم” (التوبة: 36) لأن الظلم فيها أشنع وأبلغ في الإثم من غيرها، وقد رُوي عن ابن عباس – رضي الله عنهما- في قوله تعالى “فلا تظلموا فيهن أنفسكم” أنه قال: أي في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.
وعن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال: أي الرقاب أزكى وأي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟ فقال له: “أزكى الرقاب أغلاها ثمناً وخير الليل جوفه وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم” (أخرجه النسائي في السنن الكبرى).
أما ما يجب على المسلم في الأشهر الحرم وما يستحب من أعمال فيها، فكلما كان العبد لربه أتقى، كان لشعائره أكثر تعظيماً، كما قال تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” (الحج:32).
ومن صور تعظيم هذه الأشهر الحرم ابتعاد المسلم عن المظالم كلها، فلا يظلم ربَّه بأن يشرك به غيره في عبادة أو قصد أو رجاء أو خوف، فإنه تعالى الغني عن العالمين.
كما على المسلم ألا يظلم غيره من العباد لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم مُحرمًا، فلا تظالموا” (رواه مسلم).
وعلى المسم أيضاً في هذه الأشهر المباركة الاجتهاد بفعل أنواع المعروف وأبواب الخير، ولا سيما الاجتهاد في عشر ذي الحجة فهي ميدان التنافس بصالح الأعمال، وليستكثر من صيام شهر الله المحرم، فهو أفضل الصيام بعد الفريضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب سعودي، عضو مجلس إدارة شركة حجاج أفريقيا غير العربية