كلما حل موسم حج وبدأ حجاج بيت الله الحرام في التوافد على المملكة ، نبدأ في تقليب صفحات الماضي متذكرين أياما مضت عاش فيها حجاج بيت الله الحرام والعاملون على خدمتهم صعوبات متعددة ، والحديث عنها يأخذنا للحديث عن وسائل نقل الحجاج التي تمثل واحدة من أكثر الوسائل التي شهدت تطورا ملحوظا ، ففي الماضي كانت عملية نقل الحجاج بين مدن الحج ” مكة المكرمة ـ المدينة المنورة ، جدة ” ، والمشاعر المقدسة ” عرفات ـ مزدلفة ، منى ” تتم بالجمال ، وكان المخرجون والمقومون يتولون عملية تحميل الحجاج وأمتعتهم على الجمال وتنظيم تحركاتها .
ورغم دخول السيارة للحجاز لأول مرة كان عام 1340 هــ إلا أنه لم يسمح لها بنقل الحجاج .
ومع دخول الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ للحجاز جاء تأسيس أول شركة لنقل الحجاج بين جدة ومكة المكرمة عام 1344 هــ ، وكان عدد أتوبيساتها ـ حافلاتها ـ لا يتجاوز خمسة وعشرين حافلة ، تلاه في أواخر العام التالي 1345 هـ صدور أول تنظيم لسيارات نقل الحجاج والذي تضمن ( 31 ) مادة وصدر الأمر السامي بالمصادقة عليه في 18 جمادى الآخرة سنة 1346هـ ، وقيل أن هذا التنظيم يمثل بداية تأسيس النقابة العامة للسيارات ، وبدعم من الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ تأسست الشركة السعودية الوطنية لسير السيارات بالحجاز برأسمال قدره خمسون ألف جنيها ، كما تأسست في جدة ورشة لإصلاح السيارات عرفت بـ ” مدرسة تعمير السيارات ” ، لتوفير قطع الغيار وإصلاح السيارات ، ومعنى تعمير باللهجة الحجازية ” إصلاح ” .
وأوضحت بعض المصادر التي تناولت بروز وتطور نقل الحجاج أن عدد السيارات بلغ في شهر جمادى الآخرة عام 1346هـ ( 267 ) سيارة ، ارتفع في موسم الحج ووصل إلى 541 سيارة وكان هذا الرقم قياسيا خلال تلك الفترة .
ومن غرائب وعجائب أنه لم يكن يسمح للسيارات بدخول مكة المكرمة ، إذ كانت السيارات التي تنقل الحجاج تقف في منطقة أم الجود بمدخل مكة المكرمة ، ويتم إنزال الحجاج منها واركابهم على الجمال للدخول إلى مكة المكرمة ، ويقال ان السبب عائد إلى أن ” دخول السيارة كان مرعباً للجمال
، إذ كانت الإبل التي تحمل شقادف الحجاج تنفر بشدة من صوت السيارات وحركتها، وكأنها تقدم احتجاجها، الأمر الذي شكّل خطراً على حياة الحجاج وغالبهم في ذلك العام ممن يركبون الإبل، فاضطرت الحكومة إلى إصدار أمر يمنع السيارات من السير في شوارع مكة المكرمة تقديراً لهذه الحالة بسبب عدم اعتياد الإبل على السيارات في تلك المرحلة ”
وحينما صدور الأمر السامي الكريم رقم (11501) وتاريخ 3/7/1372هـ باعتماد نظام النقابة العامة للسيارات، بدأت خطوات تنظيم وتأسيس شركات نقل الحجاج، فكانت شركة خميس نصار، وباخشب باشا، والعربية، والمغربي، والتوفيق، والكعكي، والداخلي، غير ان البعض منها لم تستمر طويلا فخرجت ، ودمج بعضها الآخر، فتقلص عددها وأصبح لا يتجاوز الخمس شركات ، وأطلق بعض العاملون في هذه الشركات أسماء لبعض الأتوبيسات ـ الحافلات ـ ، ومنها أتوبيسات ” أبو خداش ” التابعة لشركة محمد علي مغربي ، و” الزيتوني ” التابعة لشركة التوفيق .
واليوم نرى ارتفاعا في عدد شركات نقل الحجاج الخاضعة للنقابة العامة للسيارات بلغ ما يقارب السبعون شركة ، تمتلك نحو عشرون ألف حافلة ، تتولى نقل الحجاج بين مدن الحج والمشاعر المقدسة ، إضافة لقطار الحرمين الشريفين الرابط بين جدة ـ مكة المكرمة ـ المدينة المنورة ، وقطار المشاعر المقدسة الرابط بين عرفات ـ مزدلفة ـ منى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com