اعتدنا في كل موسم حج أن نسمع كلمة “مطوف” تردد على ألسنة الكثيرين، سواء كانوا من الحجاج أو أسرهم أو العاملين بالقطاعات الحكومية والأهلية، لكون هذه الكلمة ارتبطت منذ قرون مضت بأعمال يقوم بها أفراد من أبناء مكة المكرمة يعرفون بالمطوفين.
وظلت هذه الكلمة تردد على الألسن حتى بعد نشأة مؤسسات الطوافة قبل أكثر من أربعين عاما، ولا زالت تردد حتى اليوم رغم صدور نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج، الذي أوجد شركات تقديم الخدمة لحجاج الخارج.
وتعد الطوافة من المهن القديمة التي اختص بها أهالي مكة وتوارثوها عبر القرون لإرشاد الحجاج وخدمتهم منذ وصولهم إلى الأماكن المقدسة وحتى مغادرتهم لها بعد أدائهم مناسكهم بيسر وسهولة، والمطوف في نظر الحاج وأسرته والكثيرين هو الشخص المسؤول عن تأمين كافة احتياجات الحاج منذ وصوله إلى مكة المكرمة وحتى مغادرته لها.
ومن عادة المطوفين في السابق قيامهم بزيارات لدول الحجاج لبث الدعاية عن خدماتهم ودعوة الحجاج للنزول لديهم، إذ لم يكن هناك نظام يحدد مناطق جغرافية للمطوفين قبل بروز نظام التقارير، وما تلاه من نظام التوزيع، فنظام المؤسسات، والقارئ لتاريخ الطوافة والمطوفين يلحظ أن هناك عددا من الكتب والمراجع تحدثت عن رحلات المطوفين للدول العربية والإسلامية في بداية القرن الرابع عشر الهجري، وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، لبث الدعاية عن خدماتهم، وحث الراغبين في الحج بالنزول لديهم، وذكر بحث تاريخي أن الشريف حسين أمير مكة أصدر قرارا “بمنع رحلات المطوفين في أواخر أيامه، إلا أنه تراجع عن هذا القرار كما ذكر في إحدى الوثائق، فيما أشار أحد علماء الأندونيسيين إلى هذا المنع في خطاب له إلى صحيفة أم القرى”، و “في أوائل عهد الدولة السعودية وضعت” لجنة إصلاح الحج “جدولا زمنيا ينظم عودة المطوفين”.
وفي بحث آخر نجد أنه قد تم سجن أحد المطوفين خلال تنقله بين بعض الدول الإسلامية لدعوة الناس إلى الحج، واستندت الباحثة في ذلك إلى رواية حاجين روسيين أخبرا عن سجن مطوف في طشقند، وقالت: “إن الحاج سليم غيري سلطانوف الذي قدم للحج عام (1311 ه/ 1893 م) والحاج عيشايف الذي حج عام (1313 ه/ 1895 م) أخبرا أن مطوفا سجن في طشقند مدة سنتين لعدم حمله أوراقه الثبوتية، أثناء تنقلاته بين ربوع تركستان لدعوة المسلمين للحج”.
واليوم ومع تطوير وتحديث الأنظمة، وتحويل الطوافة من عمل فردي إلى عمل جماعي ببروز نظام المؤسسات عام 1398 ه، ثم تحوله إلى نظام الشركات، لم تعد هناك حاجة لقيام المطوفين بزيارة لدول حجاجهم وبث الدعاية عن خدماتهم، فخدمات الحجاج لم تعد خدمات فردية، بل أصبحت جماعية تخضع لأنظمة ولوائح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com