مدخل أول:
(لا تولِّ على عملك إلا حضرمياً، فإنهم أهل أمانة).
من رسالة سيدنا معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
مدخل ثان:
فرصة من العمر ياليتها مانقضت
فى تريم المدينة علينا مضت
عند المحبين لى بعدهم ما اغمضت
مقلتى لا ولا ذقته لذيذ القوت
وشوقى الى الغناء مدينة حضرموت
الشاعر حسين أبو بكر المحضار.
*إن الأمانة ليست صفة عابرة تُطلق جزافاً، وإنما هي قيمة محبوبة في السماء وخلق محبوب في الأرض، وقليل من الناس من يحتملها بحقها ويؤديها كما يجب، ولقد عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأشفقن منها وأبين أن يحملنها، لعظمتها، ومن ياخذها بحقها فذلك حُسن الإيمان وتمام الإسلام، وزينة مكارم الأخلاق، وقد مدح الله أهلها (والذين هم لأماناتهم وعهدم راعون)، وإن ضاعت الأمانة فانتظر الساعة، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*وحينما ترتبط سيرة أهل حضرموت بصفة الأمانة، فذلك لعمري مدعاة للفخر والإعزاز، وقد بين رسولنا الكريم أن أداء الأمانة من المسائل النادرة في آخر الزمان، حتى ليُقال (إن في بني فلان رجلاً أميناً).
*وبما أن الأمانة _بمفهومها العام_ لا تقتصر على حفظ المال فقط، وإنما تتعداه لتشمل كل أوجه الحياة، وبأداء االأمانة يُحْفَظ في المجتمع الدِّين وتُصان الأعراض وتُحفظ الأموال والأجسام الأرواح وتؤدى الحقوق لأهلها، فهي إذاً ذات أبعاد تربوية، سياسية، اجتماعية، واقتصادية، وغير ذلك.
*إن الفرحة لا تسع أهل حضرموت على وجه الخصوص، بأن وفقهم الله لتتوحد كلمتهم في ملتقى الرياض في الفترة من 22 مايو وحتى 19 يونيو 2023م، بعد مشاورات عميقة هدفت إلى تلبية آمال أهل حضرموت وتطلعاتهم المأمولة في غدٍ زاهر، وحقهم المكفول في إدارة شؤونهم السياسية، والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بأمانة هم أهلها وباقتدار ورثوه كابراً عن كابر، وهذا التوحد من كل أبناء حضرموت، هو رأس الرمح في عملية البناء والنهضة المرجوة، وما ذلك على الله ببعيد، فالأوطان تُبنى بسواعد بنيها، وللأوطان في دم كل حر
يدٌ سلفت ودين مستحق.
*الجهود الجبارة التي بذلها تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة حكومة المملكة العربية السعودية، والعناية الخاصة التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان أدام الله عزهما وحفظهما، قد آتت أكلها، وأصبحت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا غرابة في ذلك، إذ ظلت حكومة المملكة تدعم بلا كلل وتقدِّم بلا منّ ولا أذى، وهاهي قد رعت المشاورات التي نفخر بها اليوم، ووضعت أبناء حضرموت على جادة الطريق، وبشّرت بالمزيد من الدعم والرعاية، وكل ذلك عند أهل حضرموت مثبوت ومشكور، وهو منهجها مملكة الإنسانية وحكومتها الرشيدة.
*إن الأمانة _التي ابتدرنا بها المقال _ تقتضي وتحتّم على أهل حضرموت، بكل فصائلهم، شبابهم، نسائهم، قادتهم، رموزهم، طلابهم، غنيهم، فقيرهم، عاملهم ومزارعهم، جميعاً، عليهم أن يكونوا يداً واحدة، وأن يسعى بذمتهم ادناهم بلا حرج، وأن يوحدوا كلمتهم ويرصوا صفوفهم، ولتكن كلمة السر هي(حضرموت)، وأن ينأوا بأنفسهم عن الصراعات والخلافات التي أقعدت بهم عن ركب الأمم، وأن يعينوا بالدعاء الصالح وبالعمل الجاد من يتقدّم صفوفهم، وليكونوا يداً على من سواهم، وشعارهم:
تأبى الرماح إذا اجتمعنا تكسُّراً
وإن افترقن تكسّرت آحادا.
*إن ميثاق الشرف الحضرمي، هو اللبِنة الأولى في صرح البناء الحضرمي، فيجب أن يكون حاضراً على الدوام، وأن تُدعم الوثيقة السياسية والحقوقية الحضرمية وأن تجد التأييد المطلق من الجميع، وأن تصوّب الجهود نحو تشكيل مجلس حضرموت الوطني، الذي تكونت له هيئة تأسيسية تمثل نواته بحول الله تعالى وقوته.
*لنا في الله ظن لا يخيب، أن شمس حضرموت ستشرق من جديد، كما كانت نور على نور، ومشكاة فيها مصباح، وبتكاتفنا وتلاحمنا واصطفافنا خلف من يأتينا قائداَ وهادياً، وبتحملنا للأمانة، سنعيدها سيرتها الأولى، يرونه بعيداً ونراه قريباً، لا سيما بعد الإجماع الكبير من حلف قبائل حضرموت والتفافها غير المسبوق ومباركتها لهذه الخطوة التي تمثل البداية في مشوار نهضة حضرموت.