أن تبذل قصارى جهدك في سبيل تقليل جهد الحاج بخدمته ومحاولة تنحيته عن بعض الحر والضياع وتبصيره بما معك من علم وإرشاد،
تلك هي الروح التي تغمر الزملاء والزميلات في الفرق الكشفية!
لم تكن السنة الأولى لتطوعي في الحج مع جهات عديدة ولكن هذا العام حزت بالسبْق في أن أكون من أوائل نزول الفتيات إلى الميدان مع جمعية الكشافة العربية السعودية في حج1444هـ
وقد أُملي علينا مسبقًا الكثير من الأنظمة والقواعد حتى تردد البعض من عدم استطاعته المشاركة في ظل محدودية الإمكانيات بطبيعة ظروف الحج المتغيرة.
وصلنا مكة بتصور بيّن عن المشاق والمتاعب التي ربما تواجهنا، ولكن ما إن نزلنا الميدان وعاينّا الواقع إلا وينزل الله علينا مدده وقوته، فيكفينا من النوم ربعه، ومن الزاد أقله، ومن الوقت بركته، ومن البذل غايته، ومن التحمل أقصاه، نشارك الحجاج فرحتهم في إقامة المناسك.. وقد استطاعوا إليها سبيلا، وما أبهى أن يكملوا هذا السبيل بإحسان!
فهذه تترجم، وتلك تُسعف، وأخريات يقمن بتوجيه التائهين إلى خيامهم أو إعانتهم على مقاصدهم وتأكيد الوجهة السليمة لهم لاسيما مع ضعف الشبكة أو عدم توفرها وانخفاض نسبة صحة الخرائط الإلكترونية عند إغلاق بعض الطرق للتنظيم في موسم الحج، وأخريات إنما همهم إسعاد الفريق الكشفي وتفقدهم ومراعاة أحوالهم وتقديم المرطبات والدعم والكلمة الطيبة في مشهد أخوي آسر،
وقد كان وضوح الهدف طاغيًا على أي معضلة تحدث في الداخل أو الخارج، فتجد في المعسكر الكشفي منظومة متعاونة متراحمة، النفوس تجابه التحديات برحابة، تحت شعار: (كشاف دومًا مستعد)
“وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً · تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ”
يتحملن أخطاء بعضهن ويصفحن عن العثرات يومًا بعد يوم، قد تركن المناصب والشهادات جانبًا والأحباب والمفضلات بعيدًا يعملن حيثما وُضعن على اختلاف الأعمار والمهارات تحت شمس أو قمر بين غاد ورائح، حالهن كما جاء في التعبير النبوي الشريف:”إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة”
ومما أذكر أن حاجّا عاد إلينا على محيّاه البشر والسرور يشكرنا بسبب وصوله للموقع المحدد الذي وجّهناه إليه مستشعرين حديث النبيﷺ: «وهدايتك الطريق صدقة»، «…أو هدى زقاقا [أي:دلّ على طريق] كان له مثل عتق رقبة» فكأنه يقول: كما أحسنتم الإرشاد لن يفوتني الإحسان إليكم بالشكر والعرفان.
وقد تختلف سياقات القصص وتتحدّ مقاصدها إن كانت قِبلة القلوب خالصة لوجهه تعالى، مؤمنة أنها في خدمة من جاء ملبّيًا موحّدًا لله عز وجل قاصدًا رحمته في تلك الرحاب النديّات وفي خير أيام الدنيا..
عسى أن تشملنا رحمة الرحمن فنكون حجاجا بلا حج.
يسألني أحدهم: “كيف تعرفون طرق مكة ولستم من أهلها؟” ليكون الجواب حاضرًا يعرفه كل قائد من الحركة الكشفية، فهناك ورش ودورات مسبقة أقيمت لقراءة الخرائط -المحدّثة سنويًا- وتدريب آخر قبل البدء بالمهمة مباشرة، ولا أظن فرق الكشافة تخلو من المتميزين حاضري البديهة سريعي التعلم.
أما المتوارين عن القوم الذين يؤهلونا للخروج ولا يخرجون، يهيئون للمهمة قبلنا لنجيء بعدهم، تجدهم في مكان لا يصل إليه الإعلام ولا الكاميرات ولواقط الصوت، على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر ولكن الله يعرفهم” إن اجتهدتَ فعرفتهم وشكرتهم، وإلا فقد حظوا كأجر الحاج، وأجر الصابر المرابط بإذن الله.
أوجه شكري لكل من وثق بنا وآمن بقدراتنا على رأسهم صاحبة السمو الأميرة سما بنت فيصل رئيسة لجنة فتيات الكشافة السعودية، وقد حضرت معنا في المعسكر الكشفي وزارتنا في نقاط العمل، والشكر لقائدة المعسكر الكشفي للفتيات في مدرسة الملك خالد الأستاذة مناير الدباس ونائبتها الأستاذة عائشة عطار، وكامل الطاقم التشغيلي من قادة وكشافة وجوالة على تقديم صورة إيجابية عن المرأة السعودية، وإظهار فعاليتها وتأثيرها في خدمة ضيوف الرحمن.
الحمدلله أولا وآخرًا على توفيقه، وعظيمة أنت يابلادي يادار الحرم والرسالة..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائدة وحدة “درع” الكشفية