قال الله تعالي (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم) سورة (سورة البقرة، الآية 215) ومما يحفز المؤمن على الإقدام والمواصلة على فعل الخير هو استشعاره مراقبة الله له واستحضار عظمة خالقه فلا يفعل إلا خيرًا فيمنّ الله عليه بأجرين عظيمين أولهما رضا الله تعالى وليس بعد الرضا جزاء والتنعم بالجنة وما أعده الله للصالحين فيها لما قدموه في حياتهم الدنيا من أعمال صالحة، لكن ما هو دور من صنع به المعروف يقول النبي ﷺ (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، ويفهم من ذلك أن الشكر والتقدير والاحترام لمن صنع المعروف أمر واجب لا نقاش فيه، لكن عندما نشاهد حالنا اليوم نجد أن الناس قد انقسموا إلى ثلاث أقسام في رد المعروف فمنهم من يثمر بهم وتجد آثره في تعاملهم وفي عطائهم ويظل دين في اعناقهم، ومنهم من يحتفظ بهم ويقدره لك ولكن لا تجد أثر ذلك المعروف في تعاملهم، ومنهم نوع جاحد لا يثمر معهم وهم أسواء من السوء نفسه فلا هم يحتفظون به ولا تجد آثره معهم وهناك تذكرت قوله عليه الصلاة والسلام عن أَبِي موسَى الأشعريِّ قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنَّ مَثَلَ ما بعثَنِي اللهُ به مِنَ الهدَى والعلمِ كمَثلِ غيثٍ أصابَ أرْضًا فكانت منها طائفةٌ طيِّبةٌ، قبِلتْ الماءَ فأنْبتَتْ الكَلأَ والعُشْبَ الكثيرَ، وكان منها أجادِبُ أمسَكتِ الماءَ، فنفَعَ اللهُ بها النَّاسَ فشَرِبوا منها وسَقَوا وزَرَعُوا. وأصَابَ طائِفة منَّا أخرَى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمسِك ماءً ولا تُنبِتُ كلًا. فذلك مثل مَنْ فقِه في دينِ اللهِ، ونفَعه بما بعثني اللهُ به، فعَلِمَ وعَلَّم، ومثل مَنْ لم يَرفَعْ بذلك رأسًا، ولم يقبلْ هُدَى اللهِ الَّذي أُرْسِلتُ بِهِ) متفقٌ عليه، وقد جاء في الامثال الشعبية ومن يصنع المعروف في غير أهله وتعود قصته ويُحكى أن جماعة من العرب خرجت للصيد، فعرضت لهم أنثى الضبع فطاردوها، وكان العرب يطلقون عليها أم عامر، وكان يومها الجو شديد الحر، فألتجأ الضبع إلى بيت رجل أعرابي، فلما رآها وجدها مجهدة من الحر الشديد، ورأى أنها استنجدت به مستجيرة، فخرج شاهراً سيفه، وسأل القوم: ما بالهم؟ فقالوا: طريدتنا ونريدها، فقال الأعرابي الشهم الذي رقّ قلبه على الحيوان المفترس: إنها قد أصبحت في جواري، ولن تصلوا لها ما دام هذا السيف بيدي، فانصرف القوم، ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب شاته، وقدّم لها الحليب، فشربت حتى ارتدّت لها العافية، وأصبحت في وافر الصحة. وفي الليل نام الأعرابي مرتاح البال فرحاً بما فعل للضبع من إحسان، لكن أنثى الضبع بفطرتها المفترسة نظرت إليه وهو نائم، ثم انقضت عليه، وبقرت بطنه وشربت من دمه، وبعدها تركته وسارت وفي الصباح حينما أقبل ابن عم الأعرابي يطلبه، وجده مقتولاً، وعلم أن الفاعلة هي أم عامر أنثى الضبع، فاقتفى أثرها حتى وجدها، فرماها بسهم فأرداها قتيلة وقد أنشد أبياته المشهورة التي صارت مثلاً يردده الناس حتى وقتنا
ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله ِ يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ امِّ عام
أدام لها حين استجارت بقـــــــربهِ طعاماً وألبان اللـــقاح الدرائـــــــر
وسمـَّـنها حتى إذا مـــــا تكاملــــتْ فـَـرَتـْهُ بأنيابٍ لها وأظافــــــــــر
فقلْ لذوي المعروفِ هذا جزاء منْ بدا يصنعُ المعروفَ في غير شــاكر ِ
جبل الإنسان على حب الخير ومساعدة المحتاجين وديننا الحنيف قد حثنا على فعل ذلك ولكن حدد لنا لمن نمد يد العون ونبهنا بوجوب الحذر وجاء في الأثر عن على رضي الله عنه (احذر اللئيم إذا أكرمته) لذا افعل الخير أينما حللت، ولكن لا تنسَ أن تأخذ الحيطة من الغدر الذي قد يصيبك من البعض، فالنفس البشرية أمّارة بالسوء فعندما تجود بالمعروف والإحسان مع من لا يستحق الجود فنكرم هذا ونساعد ذاك وهم في النهاية يمكرون لنا بقلب أسود وعين غاشية، فيكون جزاء المعروف نكرانه ومقابلته بالإساءة، أن نكران المعروف من أشد أنواع الخذلان ويتسبب أقسى أنواع الألم الذي قد يصادفنا في مسيرتنا الدنيوية وخصوصاً أن كان ذلك النكران أو الخذلان من أشخاص لم تتوقع منهم ذلك وكانوا بنسبه لك مصدر للأمان، قالت أنيكا تويكوا ” الغدر نادراً ما يأتي من العدو” أن يطعنك أحدهم في ظهرك فهذا أمر طبيعي، ولكن أن تلتفت وتجده أقرب الناس إليك فهذه هي الكارثة
وهنا لابد أن تضع لنفسك قاعدة أنه ليس كل من تقابله في حياتك يستحق ذلك المعروف فلنفسك عليك حق ويجب أن تبدأ في محاسبة النفس ومحادثتها بداية لرفع الظلم عنها من كثير من الخطاء التي نرتكبها في حقها ومنها المعروف والعطاء لمن لا يستحق من أجل مسميات لا قيمة لها ومن أجل تحقيق ذلك لا بد أن يكون حديث النفس صادقاً شفافاً بعيداً عن الخوف من خسارة الآخرين فخسارة الأشخاص و الأشياء لا تساوي خسارة النفس، ومن أجل تجاوز ذلك اعترف بخطئك في حق نفسك، واعتذر منها، وتخلص من كل شخص أو شيء كان سبباً في خطاءك في حق نفسك فهو لا يستحق أن يكون في قاموس حياتك، فخطأك في حق نفسك ظلم لها.
بقلم | بندر عبد الرزاق مال
مستشار وباحث قانوني
عضوية المجمع الملكي البريطاني للمحكمين
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية جمعية مكافحة الاحتيال السعودية
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com