حينما يكون الحديث عن الحج وخدمات الحجاج ، أجد نفسي تائها بين أسماء لمطوفين كان هدفهم العمل على تقديم خدمات جيدة لضيوف الرحمن ، فالمطوف في نظرهم شخص يعمل واسرته على خدمة حجاج بيت الله الحرام منذ وصولهم لمكة المكرمة وحتى مغادرتهم لها ، فهو من يستقبلهم ويطوفهم ويشرف على إسكانهم بمكة المكرمة وتجهيز مخيماتهم في المشاعر المقدسة ، كما يتولى تأمين وسائل النقل للحجاج إضافة إلى متابعته لحالاتهم الصحية ، وترسخت هذه الأعمال لدى المطوفين فنقلوها لأبنائهم جيلا بعد جيل .
وحينما يأتي ذكر المطوفين تبرز أسماء عدد من الذين تركوا أثرا لا ينسى لدى حجاجهم فنقلوه لأبنائهم وأحفادهم ، وغدت علاقة الأبناء والأحفاد متواصلة مع أبناء المطوف وأحفاده .
ومن بين الأسماء التي تركت اثرا جميلا السيد/ محمود منصور علوي – رحمه الله – الذي عرف بطبعه الهادئ ، وحرصه الدائم على أن ينال الحاج حقه كاملا دون النظر لمكسب مادي يجنيه ، فهو يمثل صفحة مضيئة في تاريخ الطوافة.. من جانب ، ومن جانب آخر يمثل صفوة وجهاء أم القرى في عصره .
ولد السيد/ محمود في عام 1346هـ بمكة المكرمة، وهو ينتمي لأسرة علم وفضل من سلالة الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم-. وقد ورث عن والده السيد/ منصور عبد الله علوي وعن جدوده مهنة الطوافة لا سيما ما يتعلق بحجاج دولة جنوب أفريقيا، فارتبط وجدانياً بضيوف الرحمن منذ نعومة أظفاره، وتعلق فؤاده بالبيت الحرام وبالمشاعر المقدسة، ولذا جسد – رحمه الله- كمطوف “شخصية المكيين” في قبول الآخر والانفتاح عليه، والدعوة إلى حواره بدرجة رفيعة من التسامح.
وفضلاً عن الطوافة، تشير السيرة الذاتية للسيد/ محمود علوي إلى عمله موظفاً في وزارة المعارف (التعليم فيما بعد) في الفترة ما بين عامي (1367- 1369 هـ)، وفي جريدة “أم القرى” عام 1372هـ، وكذلك في ديوان القضاء (وزارة العدل فيما بعد) في الفترة ما بين عامي (1375- 1404هـ).
وبالعودة إلى مهنة الطوافة التي قضى السيد عمره بها، فقد اشتهر بديناميكيته الشديدة ونشاطه الدائب ومعرفته التامة بشؤون المطوفين وعوائلهم، وهو ما أهله لشغل العديد من المناصب المهمة منذ فترة شبابه، حيث عمل مساعد نقيب مطار الملك عبدالعزيز بجدة (التابع لوزارة الحج)، ومساعد مدير مركز استقبال الحجاج بأم الجود (مكة المكرمة)، ثم مديراً لنفس المركز في الفترة ما بين عامي (1394- 1403هـ).
وقد روى معاصرو السيد/ محمود علوي دوره الكبير كمطوف خبر المهنة وأسرارها، وأشادوا بمعرفته التامة بمطوفي ومطوفات مكة، كما كان علماً في الاستقبال وارشاد الحجاج من مراكز الاستقبال على مداخل مكة إبان كانت الطوافة فردية. كما كان يعرف أسر المطوفين والمطوفات ووكلاءهم في المهنة ومكاتب كل منهم لاستقبال حجاجه في حواري وأزقة مكة حول الحرم، بل كان مرجعاً في معرفة الأسماء المتشابهة في الأسرة الواحدة وجنسية حجاج كل منهم، ويعرف بذاكرته من تُوفي منهم، ومن آلت إيه الطوافة توريثاً ضماً وانفصالاً بين الشركاء، بل كانت لديه – رحمه الله- دراية بالمنفصلين وغير المنفصلين في كل أسرة.
ونظراً لخبرته الطويلة في مهنة الطوافة، كان طبيعياً أن يتم اختيار السيد/ محمود عضواً في أول مجلس إدارة عند إنشاء المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية برئاسة شيخ المطوفين الشيخ/ عبد العزيز خوقير- رحمه الله-، والذي ظل رئيساً لمجلس الإدارة لعدة أشهر، ثم وقع الاختيار على السيد/ محمود علوي لتولي منصب رئيس مجلس الإدارة، إذ ظل – رحمه الله- بهذا المنصب لما يقارب العشر سنوات، وذلك في الفترة ما بين عامي (1405- 1413هـ)، عمل خلاله بجد وإخلاص – ومعه زملاءه من أعضاء المجلس- في سبيل رفعة شأن المؤسسة، وجعلها رقماً مهماً بين نظيراتها من مؤسسات الطوافة.
وخلال رئاسته لمجلس إدارة مؤسسة “أفريقيا غير العربية”، حقق السيد/ محمود علوي العديد من الإنجازات التي يُشار إليها بالبنان، وهي كما يلي: (تدشين مقر المؤسسة بمشعر منى- تطوير قطاع الشؤون العامة- تأمين عدد من سيارات الإسعاف لنقل المرضى والموتى- تأمين عدد من سيارات الخدمة- تأمين عدد من الدرجات النارية لتسهيل أعمال اللجان في خدمة الحجاج- التوسع في تطوير قطاعات اللجان الموسمية للإشراف والمتابعة على الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن “الإستقبال والتفويج، الإسكان، المشاعر المقدسة، المراقبة والمتابعة، الشؤون العامة، العلاقات العامة والإعلام، الطوارئ، النقل لرحلة المشاعر المقدسة”).
ومن إنجازاته أيضاً: ( تأمين مقرات موسمية للجان العاملة في مواسم الحج وذلك لمتابعة أحوال الحجاج والإشراف على خدماتهم بالتنسيق مع مكاتب الخدمة- تطوير أقسام المؤسسة وتعيين عدد من الموظفين الدائمين من أصحاب الخبرة- إنشاء مكاتب الخدمة الموسمية في مواقع إسكان الحجاج لتقديم كافة الخدمات لهم والإشراف على راحتهم- زيادة تأمين عدد العاملين في مواسم الحج- توزيع حقائب مسؤولية رئاسة اللجان حسب الخبرة على أعضاء مجلس الإدارة- رفع سقف عدد الحجاج “مع زيادة الخدمات المقدمة لهم”.. فمن 46.000 حاج عام 1405هـ إلى 67.000 حاج عام 1413هـ، وقبلها 70.000 حاج عام 1412هـ).
وبعد أن سلّم السيد/ محمود علوي راية رئاسة مجلس الإدارة في عام 1413هـ، استمسكت المؤسسة به لدوره الكبير والتاريخي بها، حيث ظل مستشاراً لرئيس مجلس الإدارة لثلاث سنوات متتالية.
ونظراً لمكانته الرفيعة بالمجتمع المكي، ربطت الصداقة والأخوة السيد/ محمود علوي بالعديد من كبار الشخصيات المكية- رحمهم الله جميعاً-، ومنهم: معالي الشيخ عبدالوهاب أحمد عبدالواسع.. وزير الحج الأسبق، والسيد/ جعفر شيخ جمل الليل، والسيد/ صافي عبدالرحمن علوي (ابن عمه)، والشيخ صالح أحمد حلبي (صديق الطفولة)، والشيخ عمر محمد علاء الدين (ابن خالته وأخوه بالرضاعة). وأيضاً: الشيخ عبدالله صالح كامل، والشيخ محمود صالح أبو زيد، والشيخ عبدالرحمن عمر خياط (الصديق الودود)، والشيخ أحمد علي مفتي، والسيد/ عبدالله بكر تونسي، والشيخ عبدالحميد محمد قطان، و السيد/ عمر سراج فيلالي (زوج شقيقته)، والشيخ محمد علي غزاوي، والشيخ محمود عبيدان، وأ. فائق محمد بياري.
ومن مظاهر الوفاء النادرة للسيد/ محمود علوي أن معظم أصدقائه ومحبيه لم ينقطعوا عن زيارة أسرته بعد وفاته، حيث ظل هؤلاء على هذا الوفاء حتى توفاهم الله.
كما كان لاثنين من الأبناء معزة خاصة لدى السيد/ محمود علوي لدرجة أنه كان يسأل عنهما وهو على فراش الموت، وهما: أ. عبدالله عمر علاء الدين -رحمه الله- رئيس مجلس الإدارة الأسبق للمؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا واستراليا والرئيس الأسبق للهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف، وأ. عبدالواحد برهان سيف الدين الرئيس الأسبق لمجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية والرئيس الأسبق للهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف.
رُزق السيد/ محمود علوي بثمانية من الأبناء: 4 من الذكور، و4 من الإناث، وقد ورث الذكور مهنة الطوافة عن والدهم وأجدادهم في تواصل رائع للأجيال، وهم على الترتيب: السيد/ عبد الله محمود علوي، والذي عمل لفترة طويلة في مجال النقل في الفترة ما بين عامي (1402- 1440هـ)، حيث كان عضواً في مجلس إدارة النقابة العامة للسيارات، كما شغل منصب نائب مدير عام شركة المغربي للسيارات في الشميسي بمنطقة مكة المكرمة، فضلاً عن توليه منصب مدير عام شركة مكة للنقل لعدة سنوات شهدت فيها الشركة تطويراً ضخماً، ومنها زيادة أسطولها من 280 حافلة إلى حوالي 1300 حافلة.
بينما كان السيد/ محمد محمود علوي – رحمه الله- رئيساً لأحد مكاتب الخدمة الميدانية بمؤسسة حجاج “أفريقيا غير العربية” لسنوات طويلة، كما كان من كبار موظفي الشحن الجوي بـ “الخطوط السعودية”.
أما السيد/ خالد محمود علوي، فهو يشغل حالياً منصب عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية، وقد قضى نحو 36 عاماً بوزارة الحج والعمرة في الفترة ما بين عامي (1405- 1440هـ)، حيث تولى عدداً من المناصب المهمة مثل: المشرف العام على مراكز التوجيه والتفويج- مدير عام حجاج الداخل- مدير عام التطوير الإداري- مدير عام شوؤن الموظفين، كما كانت له تجربة صحفية ثرية وممتدة إذ تولى منصب مدير تحرير مجلة “الحج والعمرة” لنحو 20 عاماً.
فيما شغل السيد/ طارق محمود علوي منصب نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية قبل تحولها لشركة في الفترة ما بين عامي (1436- 1442هـ)، كما كان رئيساً لتحرير مجلة “الطوافة”، التي كانت تصدرها المؤسسة لفترة تزيد عن العشر سنوات.
انتقل السيد/ محمود علوي إلى جوار ربه يوم 25/4/1427هـ عام، ودُفن في مقابر المعلاه بمكة المكرمة.
رحم الله السيد/ محمود علوي، والذي ينطبق عليه – بحق- الشطر الثاني من بيت الشعر العبقري لأمير الشعراء أحمد شوقي والذي يقول: “الناس صنفان: موتى في حياتهم// وآخرون ببطن الأرض أحياءُ”.






التعليقات 1
1 ping
عبدالوهاب علوي
22/09/2024 في 6:23 م[3] رابط التعليق
رحم الله اخي الكبير الغالي السيد محمود علوي الذي كان لنا الاب والاخ والمرجع واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة اللهم آمين