فِي اللَّحْظَةِ الْأُولَى الَّتِي أَسَّسَ فِيهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ كَانَتْ مَعَالِمُ الْوَقْفِ تَتَجَلَّى بِشَكْلٍ وَاضِحٍ بِدَايَةً مِنْ مَسْجِدِ قِبَاءْ، فَالْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ حَتَّى عَصْرِنَا الْحَاضِرِ، مِمَّا سَاهَمَ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ عَلَى تَرْسِيخٍ مُفْهُومِ الْوَقْفِ لَدَى الْمُجْتَمَعِ فِي الْمَدِينَةِ حَتَّى قَالَ سَيِّدُنَا جَابِرُ بْنْ عَبْدِ اللَّهْ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَأ مَقْدِرَةٍ إِلَّا وَحَبَسَ – أَيٍّ : أَوْقَفَ.
فَالْوَقْفُ ضَارِبٌ فِي تَارِيخِنَا مُنْذُ الْقَدَمِ وَلَعَلَّنَا فِي هَذِهِ السُّطُورِ نُحَاوِلُ التَّعْرِيجَ عَلَى صُوَرٍ وَقْفِيَّةٍ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مِنْ مُخْتَلِفِ الْعُصُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ خَاصَّةً أَنَّ الْوَقْفَ مَرَّ بِتَطَوُّرَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي تَطْبِيقَاتِهِ بِدَايَةَ مِنْ وَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَزَارِعِ وَالْآبَارِ وَبَعْضِ الْعَتَادِ وَالَّذِي كَانَ مُتَّسِقًا مَعَ احْتِيَاجَاتِ وَأَسَالِيبِ الْحَيَاةِ فِي حِينِهَا، إِلَّا أَنَّ الْقُرُونَ الَّتِى تَلَتْ شَهِدَتْ صُوَرًا مُتَجَدِّدَةً فِي الْوَقْفِ كَالْمَدَارِسِ وَالْمَكَاتِبِ وَالتَّكَايَا، وَاَلَّتِي كَانَتْ بِمَجْمُوعِهَا تُقَدِّمُ خِدْمَاتٍ إِغَاثِيَّةٍ وَحَضَارِيَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِخِدْمَةِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ الْفُقَرَاءِ حَتَّى رِعَايَةِ الْعُلَمَاءِ وَنَشْرِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَعَلَّ نَأْخُذُ بَعْضَاً مِنْ نَمَاذِجِ الْأَوْقَافِ خِلَالَ الْخَطِّ الزَّمَنِيِّ مِنْ هِجْرَةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى عَصْرِنَا الْحَاضِرِ.
أَوَّلاً : أَوْقَافُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ :
أَوْقَافُ النَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمُسْتَغَلَّاتُ الْخَيْرِيَّةُ وَهِىَ عِبَارَةٌ عَنْ سَبْعِ حَوَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةَ كَانَتْ لِرَجُلٍ يَهُودِيٍّ اِسْمُهُ (مُخَيْرِيقْ) وَكَانَ مُحِبًّا لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَاتَلَ مَعَهُ فِي أُحُدٍ وَأَوْصَى إِنْ قُتِلْتُ فَأَمْوَالِيِ لِمُحَمَّدٍ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ “مُخَيْرِيقُ خَيْرُ الْيَهُودِ” وَكَانَ أَسْمَاءُ هَذِهِ الْحَوَائِطِ (الْأَعْوَافْ، وَالصَّافِيَةَ، الدَّلَالُ، الْمُثَيَّبْ، بُرْقَة، حُسْني، مشْرَبَةً، أَمُّ إِبْرَاهِيمْ)
عُمَر ابْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرِ فَأَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُسْتَأْمِرَهُ فِيهَا فَقَالَ إِنَّ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقَتَ بِهَا. قَالَ : فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ ولَايُوهَبْ وَلَا يُوَرِّثُ وَتُصُدِّقُ بِهَا لِلْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنُ السَّبِيلِ وَالضَّعِيفِ وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ.
عُثْمَانُ اِبْنُ عَفَّانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْقَفَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ بِئْرَ رُومَةْ وَالَّتِي قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ اَلْمَدِينَةَ وَلَيْسَ فِيهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةْ فَقَالَ ( مِنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ فِيهَا دَلْوَهُ مِنْ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ ) فَاشْتَرِاهَا بِصُلْبِ مَالِهِ.
ثَانِيًا : الْمَدَارِسُ الْوَقْفِيَّةُ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ
الْمَدْرَسَةُ الشِّيرَازِيَّةُ
الْوَاقِفُ : إِبْرَاهِيمُ الرُّومِيَّ
سَنَةُ الْوَقْفِ : 680 ه
مَوْقِعُهَا : ذُو الْحُلَيْفَةِ
الْمَدْرَسَةُ الشِّهَابِيَّةُ
الْوَاقِفُ : الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ شِهَابُ الدِّينِ غَازِيُّ الْأَيُّوبِيُّ
سَنَةُ الْوَقْفِ : الْقَرْنُ السَّابِعُ الْهِجْرِيُّ
الْمَوْقِعُ : فِي مَكَانِ دَارِ أَيُّوبِ الْأَنْصَارِيُّ
الْمَدْرَسَةُ الْأَشْرَفِيَّةُ
الْوَاقِفُ : السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ قَايِتْبَايْ
سَنَةُ الْوَقْفِ : 888 ه
الْمَوْقِعُ : مَا بَيْنَ بَابِ السَّلَامِ وَبَابِ الرَّحْمَةِ.
ثالثاً : الأَرْبِطَةُ والتَّكَايَا
الْأَرْبِطَةُ هِيَ الْحُصُونُ الْحَرْبِيَّةُ اَلَّتِي تُقَامُ فِي الثُّغُورِ لِلدِّفَاعِ عَنْ دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْدَ تَوَسُّعِ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَقُوَّتِهَا وَتَغَيُّرِ الْحَيَاةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ خَاصَّةً فِي الْمَشْرِقِ الْإِسْلَامِيِّ تَحَوَّلَتْ إِلَى إِيوَاءٍ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ.
رِبَاطُ عُثْمَانْ بْنْ عَفَّانْ رَضِي اَللَّهْ عَنْهُ
الْوَاقِفُ : سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنْ عَفَّانٍ (رَضِيَ اَللَّهْ عَنْهُ)
المَوْقِعُ : حَارَةُ الأَغَوَاتِ
رِبَاطُ العَجَمِ
الْوَاقِفَ : جَمَالْ اَلدِّينْ اَلْأَصْفَهَانِيِّ
سَنَةُ الوَقْفِ : 555هـ
المَوْقِعُ : مُقَابِلَ بَابِ جِبْرِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامِ.
تَكِيَّةُ حَرَمِ السُّلْطَانِ
الْوَاقِفُ : زَوْجَةُ السُّلْطَانِ سُلَيْمَانُ الْقَانُونِي
سَنَةُ الْوَقْفِ : 983 ه
الْمَوْقِعُ : خَارِجَ سُورِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ
تَكِيَّةُ السُّلْطَانِ مُرَادْ الثَّالِثْ
الْوَاقِفَ : السُّلْطَانُ مُرَادُ الثَّالِثِ
الْمَوْقِع : حَارَةُ الْأغَوَاتِ
رابعاً : المَكَاتِبُ الوَقْفِيَّةُ
مَكْتَبَةُ الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ
هِيَ أَوَّلُ الْمَكْتَبَاتِ نَشْأَةً وَأَقْدَمُهَا وُجُودًا وَلَازَالَتْ مُسْتَمِرَّةً إِلَى يَوْمِنَا هَذَا وَتَحْتَوِي أَكْثَرَ مِنْ (2000) مِنْ الْمَصَاحِفِ الْمَخْطُوطَةِ وَأَوَّلُ مُصْحَفٍ أُودِعَ فِيهَا الَّذِي نَسَخَهُ الصَّحَابَةُ بِإِشْرَافِ وِرِعَايَةِ الْخَلِيفَةِ عُثْمَانُ بْنْ عَفَّان (رَضِي اَللَّهْ عَنْهُ)
سَنَةُ الْوَقْفِ : الْعَصْرُ الْعَبَّاسِيُّ
مَكْتَبَةُ مَدْرَسَةِ اَلشِّفَاءِ
اسْمُ الْوَاقِفِ : الشَّيْخُ فَيْضُ اَللَّهَ أَفَنْدِيٌّ
الْمَوْقِعُ : فِي الشَّوْنَةِ حَارَةً ذَرْوَانْ
سَنَةُ الْوَقْفِ : 1112 ه
وَقَدْ أُزِيلَ مَبْنَاهَا بَعْدَ الْحَرِيقِ الَّذِي نَشَبَ فِي سُوقِ الْقُمَاشَةِ وَهِيَ تَضُمُّ (980) مَخْطُوطًا و (542) مَطْبُوعًا وَهِيَ الْآنَ فِي مَكْتَبَةِ الْمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ.
خَامِسًا : الْأَوْقَافُ التَّنْمَوِيَّةُ
وِكَالَةُ اَلسُّلْطَانِ اَلْأَشْرَفِ قَايِتْبَايْ
اسْمُ الْوَاقِفِ : السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ قَايِتْبَايْ
سَنَةُ الْوَقْفِ : 886 ه
الْمَوْقِعُ : الشَّارِعُ الْمُوَصِّلُ إِلَى بَابِ السَّلَامِ
وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ طَابَقَيْنِ خُصِّصَ الْأَرْضِيُّ مِنْهَا لِتَخْزِينِ الْقَمْحِ وَالْغِلَالِ، وَالطَّابِقُ الْأَوَّلُ لِلسَّكَنِ وَالْإِقَامَةِ وَكَانَ قَدْ نُقِشَ عَلَى الْعِمَارَةِ النَّصُّ الْآتِيُّ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَرَ بِعِمَارَةِ هَذَا الْمَكَانِ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَمَالِكُ رِقَابِنَا الْمَقَامُ الْأَعْظَمُ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ أَبُو النَّصْرِ قَايِتْبَايْ أَعَزَّ نَصْرَهُ وَجَعْلَهُ وَقْفًا مَصْرُوفًا خَيْرِيًّا أُجْرَتَهُ عَلَى جِيرَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْتَرَي قَمْحً وَتُعْمَلُ مِنْهُ الدَّشِيشَةُ لِلْمُجَاوِرِينَ وَالْوَارِدِينْ ابْتَغَاءَ وَجْهِ اَللَّهِ.
سِكَّةُ الْحَدِيدِ ( الْخَطُّ الْحَدِيدِيُّ الْحِجَازِيُّ )
اِسْمُ الْوَاقِفِ : السُّلْطَانُ الْعُثْمَانِيُّ عَبْدُ الْحَمِيدْ الثَّانِي
سَنَةُ الوَقْفِ : 1900م
الْمَوْقِع : الْعَنْبَرِيَّةَ
يُعَدُّ الْخُطُّ الْحَدِيدِيُّ وَقْفًا إِسْلَامِيًّا لِخِدْمَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اَللَّهِ الْحَرَامِ حَيْثُ صُرِفَ عَلَى الْخَطِّ الْحَدِيدِيِّ ( 4,500,000 ) مِنْ اللِّيرَاتِ الذَّهَبِيَّةِ الْعُثْمَانِيَّةِ سَاهَمَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ حَوْلِ الْعَالَمِ.
سَادِسًا : الْآبَارُ وَالْأسِبْلَة الْوَقْفِيَّةَ
سَابِعًـــــــا : الْوَقْفُ الْمُعَاصِرَةُ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةَ
وَقْفُ نَمَاءِ الْمُنَوَّرَةِ
شركة وقفية غير ربحية تستهدف التنمية الإقتصادية ذات الأثر الإجتماعي من خلال قطاعاتها : منتجات المنورة ، المنورة للتمويل ، العينية حيث تساهم في نشر و تعزيز ثقافة ريادة الأعمال و تمكين رواد الأعمال في منطقة المدينة المنورة ، في دفع عجلة التنمية الإقتصادية في المنطقة ، و تقديم حلول فاعلة و مبتكرة داعمة ومساندة للشباب على النهوض بالمشاريع الريادية في منطقة المدينة المنورة .