الأحساء لطيفة بأهلها وتراثها وجوها الشتوي الملبد بالغيوم.. وما زلت إلى الآن أتذكر كشتات الوالد (رحمه الله) بسيارته الكورولا قبل (37) سنة تقريبًا، في إجازة يوم الخميس أو الجمعة بعد صلاة الظهر مباشرة دون تخطيطٍ مسبقٍ.. (على طول شنقح بنقح للحصير النايلون المخطط بالألوان، وجدور الطبخة من البيت).. بين شجيرات المشتل بالقارة، أو مشروع حجز الرمال بالعمران، أو بر مسجد جواثا بالحليلة، أو قرب نخيل جبل الشعبة، أو بين بساتين قرية المطيرفي ومسجد العباس!.
أتذكر جيدًا (ثبر الماي)، (وحشيش العقربان)، الفاصل بين بقالة «أبو عباس»، ومسجد الزهراء.. فحتى طعم كبسة (الكشتة) يلوح في مجمر ذاكرتي، وزد عليها دخان الحطب (الطبينة)، (ونسناس) رائحة صرام التمور المتمازجة برطوبة الجو مع (انميلي) رذاذ المطر في الطرق المتعرجة والمتمايلة آنذاك بين الهفوف والمبرز والقرى..
نعم، كانت سيارة الوالد (رحمه الله) الكورولا صغيرة جداً، مقارنة مع التعداد السكاني الذي تحمله (لجدتي أم علي وملفعها ومشبكها الذهبي، وضحكات أمي فاطمة (رحمهما الله)، إضافة لبنت عمي، وإخواني وأخواتي (المتبتبين والعصاقيل).
كنا مترادفين كأكياس التمر المكنوز (بالجصة) أو (صندقة شارع الحداديد) بالهفوف، حيث كانت الضحكات تتصاعد والبشرى ظاهرة على الملامح بالبهجة (والتصفيق).
كانت أياما جميلة في بساطتها، وتعاونها، وترابطها، ومنازلها، وأزقتها، وجيرانها، وأعراسها، وأسطحها، وأعتقد أبناء جيلي ومن يكبرنا يتذكر أيام هذه (الكشتات) الفردية، والجماعية، والشبابية، والعائلية، والكشفية، والدراسية، لميناء العقير، وعين النجم، ومسجد الوطية، والبساتين المجاورة لعين أم سبعة، وعين الحارة، ونخيل السيفة، وعين أم خريسان في الشارع الملكي..
فهل تتذكرون أبخرة ماء عين الخدود في الطريق ساعة الفجر؛ والقناة المغطاة (المطمومة) لعين الجوهرية؟
أم ما زلتم تفككون أحاجي ومترادفات لهجتنا الحساوية؛ والمدات الختامية لكل كلمة بين الحواري؟ ( أها عاد، وأبداك).