لكل واحدٍ منا حكاية مع أقرانه، وطفولته، فكيف بمكان أصله وولادته؟
فالأحساء هي حاضرة شاملة، ودوحة ساحلة، بين أطناب الرمل، وشواطئ ميناء العقير..
ذاك الميناء الذي رست على ضفافه السفن، وتغنت على مياهه موشحات نهامة الحاضر في المواويل، والمستقبل بالزهريات.
وما تكاد أن تُحمل أسفاره على تلك الدواب، إلا وتحفه بهجة الناس والباعة في سوق القيصرية بالهفوف والمسرات..
نعم، طالما هذا السوق وما يزال يحوي عبق الحنين، وصوت الأنين، لكل واحدٍ مرَّ به، فكيف بمن رحلَّ عنه؛ وخلف طيبه بين اخضرار السنابل؟
فما تكاد أن تجثو بتأملك، إلا ويدور في مُخيلتك، وتواصلك لتلك (الحواري)، التي تحتضن هذا السوق الأثري القديم؛ كفريج الرفعة الجنوبية، والنعاثل الغربي، والرفعة الوسطى، والكوت، والرفعة الشمالية، والنعاثل الشرقي.. ويتخلل هذه (الفرجان) السوابيط المُعتقة، وشارع المدير، والمدرسة الأميرية، وسوق السويق، وشارع الحداديد، وسوق عمارة السبيعي، وقصر إبراهيم..
أجل، للأحساء مكانة وطنية، ووجدانية، وعالمية في كل النفوس، فكيف بأهلها؛ ومُدُنها؛ وقُراها؛ وأزقتها؛ وعيونها؛ وبُحيرتها في شريط الذكريات؟
فليس التمر هو من أوجد مكانتها، وليس الجبل من أشار عليها؛ لأن إنسانها هو الأول الذي أعمر دارها وأشعل فنارها..
فلا تُساوم أي نخلة هجرية على ارتفاعها، وزارعها، وساقيها، وراعيها؛ لأن الذكرى تسكن أنفاسهم، ويتجلى إحساسهم بالحب والثقافة والتراث والسيرة..
فطوبى للجمال بكم، ورياحين عطركم، لحب الأرض، وشموخ وطننا الغالي في كل المحافل..