الحياة مليئة بالدروس في مختلف نواحيها الاجتماعية و العملية حتى ، فبعضها تكون قاسية و الأخر منها مفيدة تنقلنا لمستوى أعلى من النضج و البعض يعلمنا كيف تدار الأمور خلف ظهورنا و ما يخفيه أولو القرار من حولنا سواء كانوا أباء أو مربيين أو ما سواهم . حكايتي عبارة عن موقف مررت به قبل ثلاث إلى أربع سنوات تقريبا ولكن البداية كانت من فترة المراهقة أو ما قبلها بقليل لا أعلم إن كان لها قدر من الفائدة لمن يقرأها لكن سردها يفتح لي بابا لمشاركة ما في دواخلي من مشاعر صادقة . أحيانا نظرات المقربين لك تختلف عن نظرتك فدائما نحن ننظر لموضوع ما ( إن احببناه ) من نافذة و احدة و إن تعددت النوافذ أمامنا لان هذه النظرة تشعرنا بالسعادة و لكن من حولنا تتعدد نظراتهم بين النوافذ لانهم خارج البرج الضيق الذي نحبس أنفسنا داخله .
أنا ” هايل ” نشأت في بيت جدتي لأمي لان جميع أولادها قد تزوجوا و البنات كذلك إلا واحدة منهن ولان منزل الجدة يعتبر في ضواحي المدينة التي نسكنها قرر و الداي نيابة عني الانتقال و العيش مع الجدة كوني أصغر الأحفاد في تلك الفترة فأنا ابن السابعة لأكون ونيس المنزل بالإضافة للذاهب معهن متى ما أردن الخروج مع السائق ، في الحقيقة كانت أيام جميلة كوني حظيت بقدر وافر من الدلال من كل العائلة بسبب وجودي في بيت الجدة ، الكثير من الهدايا و المتطلبات مجابه وكما أنه لا يقوى أحدهم على توبيخي حتى والداي فعلى حسب عقلي في الفترة العمرية تلك كان هذا شيء من نعيم الجنة .
لجدتي ثمانية أبناء بالمناصفة بين الذكور والإناث و أمي ” سارة ” هي الثانية في ترتيب العائلة يكبرها خالي ” عبد الله ” ويصغرها خالي ” حمد ” الذي كان دائم الغياب عن الأوساط العائلية و المحافل الأسرية الخاصة السعيدة منها و الحزينة حتى أنه لم يتواجد في جنازة جدي ( رحمة الله عليه ) والده ، هكذا سمعت من حكايا العائلة وقت ذكر اسمه لأنني لم أولد حينها بعد . ” حمد ” رجل غريب الأطوار فعليا فكلما ظهر بعد طول غياب حلت معه المشاكل إما مالية ، أو قضائية ، وحتى الاجتماعية من ضمن قائمته الخاصة , فذات مرة ظهر فجأة في الوسط و معه قنبلة موقوته تأخر انفجارها الذي كان مدويا فعليا حتى على الصعيد العائلي و الاجتماعي أيضا فعلى الرغم من صغر سني وقتها إلا أنني أذكر جيدا ما حدث فبعض الأحداث لا تنسى حتى و إن مر زمن عليها ، إذ دخل “ حمد “ في ظهيرة أحد الأيام يحمل طفلة جميلة جدا سمراء بعيون عسلية غجرية الشعر ، بريئة الملامح ، سلم على الموجودين ثم جلس بجوار الجدة و قال بصوة جريء هذه ابنة أحد أصدقائي مقيم هنا تشاجر مع زوجته التي تركت الطفلة و اختفت وليس له أحد من الاقارب هنا ليعتني بها وقت ذهابه للعمل فاقترحت عليه أن أخذها لعائلتي حتى يجد والدتها أو يستطيع أخذها إلى بلاده بطريقة ما فأنا أعلم أن لديكم خادمتان في البيت بالإضافة إلى وجود “ أمل “ وأخواتي يزرنكن مع أولادهن فهناك من سيرعاها . قبلت الجدة طلب “ حمد “ ورحبت بالطفلة التي كان اسمها “ زهور “ و سط استهجان الجميع للفكرة ككل ورفضها تماما .
مر على استضافة ” زهور ” ثلاث شهور و الجميل أنه إعتاد الجميع عليها بشكل سريع كذلك ” زهور ” ألفة الحياه بيننا ، فأصبحن خالاتي و زوجات أخوالي يجلبن لها الهدايا و الألعاب و بعض الملابس الجميلة للفتيات الصغار كم أنهن يطلبن من الجدة في بعض الأحيان أخذها للبقاء معهن في منازلهم بحجة اللعب مع أطفالهن بالإضافة إلى تخفيف عناء الرعاية عنها لليلة أو ليلتان فمن المعترف بأن الأطفال في سن مبكر يحتاجون إلى رعاية من نوع خاص و شاق بعض الشيء . بدأت بعض الاقاويل تتناثر هنا وهناك في الوسط العائلي على أن ” زهور ” هي ابنة ” لحمد ” نفسه وليست لصديقة كما يدعي ، لكن التساؤل كان كيف ؟؟ و هل من زواج أم غير ذلك ؟؟ ، فطبعا هذه الأقاويل لم تصل لمسامع الجدة التي كانت دائمة السؤال عن ابنها ” حمد ” الذي عاود الغياب كعادته إضافة إلى أنه لا يجيب على اتصالاتها أبدا و لا تعرف له صديق أو مكان معين تسطيع الوصول إليه عن طريقه . مضت الأيام و الشهور حتى بلغت ” زهور ” عامها الثاني استيقظنا صباحا ولم نجدها في غرفتها التي أعدتها لها خالتي ” أمل ” بجوار غرفة الخدم حتى يرعينها في الليل فزعت الجدة كثيرا ثم نادت إلى الخادمة و سألتها عن ” زهور ” أجابت أن السيد ” حمد ” جاء ليلا و طلب مني جمع حاجياتها بسرعة قبل أن يستيقظ أحدهم ثم أخذها وخرج . اتصلت خالتي ” أمل ” على هاتفه المحمول فورا و الغريب أنه أجاب بسرعة على غير عادته فسألته بصوت حازم كيف تأتي و تأخذ الطفلة دون علمنا ويهذه الطريقة الغبية ؟؟
أجاب بصوت عال : ليس من شأنك يا ” أمل ” أبوها أراد رؤيتها و أخذتها له .
ثم قالت ” أمل ” : يا ” حمد ” حين أحضرتها وسلمتها لنا كنا جميعنا متواجدين فلا يحق لك أخذها بهذه الطريقة و الأن أبوها تذكر أن لديه طفلة بعد مضي كل هذه الفترة لم يسأل عليها حتى ؟؟ …..
أقفل الهاتف و هي تتحدث و عاودت الاتصال لكنه لم يجيب هذه المرة . حقيقة استاء الكل بذهاب ” زهور ” التي كانت اسم على مسمى فأزهر بوجودها بيت الجدة فقد سرقت القلوب ببراتها وجمالها الطفولي وخفة دمها ، وعاودت الحياة إلى شكلها السابق الروتيني إلى أن جاء يوم شعرت فيه بالممل من مصاحبة الكبار وحدي في البيت فأردت العودة لبيتنا الأسري الصغير مع أمي و أخوتي وأبي ففي سن الثانية عشرة يحتاج الطفل لأقران يخالطهم ويلعب معهم يحن إلى الضجيج الطفولي بعيدا عن هدوء الكبار أو بالأحرى لو قلت لطالما كانت هذه رغبة قديمة تصاحبني من الصغر وكنت أخجل من البوح بها أمام الملاء ، أقنعت أمي بالفكرة ولم يكن ذلك سهلا أبدا أحتاج إلى دموع و إلحاح ، أعرف جيدا موقفها بالطبع يصعب عليها سحب أبنها من بيت أمها . و بالفعل جاء اليوم المنتظر جاءت أمي ” سارة “بصحبة أبي ” و أخذاني إلى بيتنا و الفرحة التي بداخلي لا تكاد الدنيا سعتها من عظمها . بدايتا شعرت بإمتعاص أخوتي الستة من وجودي بينهم إلى أن تعودنا على بعضنا مع مرور الوقت وهذا طبيعي فأنا نشأة بطباع بعيدة عنهم فالبيوت فوانيها تختلف عن بعضها .
بعد خمس سنوات عدت للسكن مع جدتي و كانت هذه المرة رغبتا مني لأنها كانت وحيدة بعد أن تزوجت خالتي ” أمل ” و انتقال خالتي ” عبير ” التي كانت ترعاها إلى أحد الدول الأجنبية مرافقة لزوجها ليستكمل دراسته ، و خالتي ” فرح ” تقيم بالأصل في مدينة أخرى منذ زواجها ، أما عن أمي فقبل عامين أنجبت طفلة بعد ست أولاد أسمتها ” نور ” إلا أنها توفت قبيل عامها الثاني بشهرين ودخلت أمي في حالة اكتئاب حاد ولم تعد تقوى على رعاية أحدهم أو تحمل المسئولية ، أما عن قنبلة السنوات الماضية هي دخول خالي ” حمد ” يوم تجمع العائلة في بيت الجدة ومعه طفلتين و إمراء إحداهن ” زهور ” التي بقيت معنا لفترة في السابق ، ووسط ذهول الجميع قال بكل وقاحة هذه زوجتي ” مرضيه ” وهؤلاء بناتي ” زهور ” طبعا تعرفونها سابقا و ” حنان ” و كما تعلمون أنا لا أعمل و أرهقتني المصاريف من الإيجار و المسئولية و غيره فأتيت بهن للسكن في بيت أبي و أعتقد أنه حق من حقوقي ، طبعا ثار الجميع بعد كلامه وفعلته وحاول أخوالي طرده من البيت إلا أن الجدة ” زهور ” نعم زهور الطفلة سمية جدتي ، وقفت بحزم و أسكتت أولادها و رحبت بزوجة الابن الجديدة و حفيدتيها ” زهور ” و ” حنان ” ، أخفت ألمها حتما فكل أم ترغب في اختيار زوجة لابنها ذات حسب ونسب ودين وجمال و” حمد ” حرمها من حقها و فرض عليها زوجة نقيضة تماما لما كانت تصبوا إليه ، رحمت الجدة حالهم و أسكنتهم في ملحق الضيوف المكون من ثلاث غرف و دورة مياه واحده ليشاركوها المطبخ فقط .
” مرضيه ” ليست سهلة المعشر تحمل بين أضلعها قلب جاف حتى على طفلتيها الصغيرتين فدائما ما تبرحهن ضربا فيهربن لبيت الجدة طالبين النجاة من بطشها ، كما أنها ذات لسان سليط رغم أنها لا تجيد التحدث بالعربية بشكل جيد ، أتعبت الجدة من تعاملها و إقامتها لذا قررت العودة لبيت الغالية و السكن معها ربما بوجودي أستطيع أن أرد عن جدتي بعض الألم و أكون ونيس لها ، ” فحمد ” يسكن معها فقط لأخذ المصروف و يجد من يحمل عنه عاتق مسؤولية الزوجة و الطفلتين .
عائلتنا ككل العوائل محافظة دينيا و عرفيا في مجتمعاتنا المحيطة لا يسمح باختلاط النساء بالرجال و الصبية بالفتيات حتى من قبل سن البلوغ ، لذا كن ” زهور ” و ” حنان ” دائما يجلسن في جناحهم الخاص إذا كنت أنا داخل البيت و مع هذا لا يخلوا الأمر من اللقاءات الدرامية الغير مقصودة بيننا أحيانا في المطبخ المشترك أو عند المدخل و أوقات في غرفة الجدة وهكذا ، إلا أن هذه النظرات كانت كفيلة بتفجير رغبة صغيرة بالارتباط عاطفيا بهذه الطفلة التي كنت أدللها في الماضي و اليوم أصبحت فتاة ذات أربع عشر عاما يمتدح الجميع جمالها و أناقتها بالإضافة إلى تحليها بالأخلاق الحميدة عدا عن الاطباق الشهية التي كانت تعدها في أيام التجمع العائلية ، ويوم بعد يوم تزداد رغبتي بالارتباط بأميرتي ” زهور ” كما كنت أطلق عليها في مخيلتي . رغبتي في الارتباط ” بزهور ” جعلتي أعمل بجوار الدراسة فقد عملت محاسب في متجر أغذية و سائق خاص لأحد الفنادق كما أنشأت حساب في أحد مواقع التواصل الاجتماعي لبيع الأجهزة الإلكترونية وكان دخله جيد جدا ، رغم أنه ما من قصور مادي فوالدي ميسور الحال و الحمد لله لكنني كنت حريص كل الحرص على أن لا يشاركني أحد في جمع مال أريد أن أتزوج به أميرتي لأنها تستحق كل هذا العناء .
التحقت بكلية التمريض بعد تخرجي من المرحلة الثانوية فرحت كثيرا لان الحلم المنتظر بات قريبا جدا لأنني كنت أخطط بخطبة ” زهور ” في السنة الثانية من الدراسة لتدوم فترة الخطبة إلى العام الثالث ثم عقد القران في سنة التخرج ومن ثم الزواج سيكون بعد حصولي على عمل مباشرة و أخذ أميرتي لندخل سويا لعالم السعادة …….

يتبع …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاركنا قصتك على البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة
bdwnnqatfwasl@gmail.com




