خطب وأم المصلين بالمسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عواد الجهني اليوم الجمعة بدأها قائلاً:
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
واستكمل فضيلته :
إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار, واعلموا عباد الله أن تقوى الله تبارك وتعالى نعم الزاد ونعم المتاع، وتأملوا واقع الدنيا فكم من عامر متقن يخرب بعد عماره، وكم من إنسان أعطيها فهو مغبط وعما قريب ترحل عنه أو يرحل عنها، فإذا علم العاقل ذلك سارع إلى مرضاة ربه وأحسن وزاد في إحسانه قال الله عز وجل (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وقال تبارك وتعالى (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدّت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
وإنما تكون المسارعة بسعيكم في صالح الأعمال وإن رأيتموها يسيرا، وإحجامكم عن المعاصي وإن كانت في نفوسكم حقيرة، حتى لا يتكاسل الإنسان عن فعل كل ما به أمر من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعرفان ما عرف وإنكار ما أنكر، فلا تهملوا شيئا من الطاعات فلرب طاعة كانت سببا إلى النعيم السرمدي، ولا تتهاونوا بشيء من المخالفات فرب مخالفة صارت سببا إلى الشقاء الأبدي، فاستبقوا الخيرات لتنالوا جنته ورضوانه.
وأوضح فضيلته:
نحمد الله المنان الذي فضل ماشاء من الزمان والمكان فكما فضل بعض الساعات وبعض الأيام، واختصها بأنواع من الهبات والبركات فقد اختار من الشهور المفضلة شهر شعبان مقدمة لشهر عظيم تمحى فيه الذنوب ويتجلى فيه علام الغيوب، نزل فيه من الأحكام آيات بينات، وحصل فيه لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا معجزات باهرات، هو شهر تشعبت فيه الخيرات وترتبت فيه أعمال صالحات، وقد حاز بذلك تفضيلاً، في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم شعبان كله، وفي رواية إلا قليلاً، وإنَّما كان يُكثِرُ مِن الصِّيامِ في شَهرِ شَعبانَ خُصوصًا؛ لأنَّه شَهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ لربِّ العالَمِين، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما أنَّه شَهرٌ يَغفُلُ عنه كَثيرٌ مِن النَّاسِ بيْن رجَبَ ورَمَضانَ، فعلى كل مسلم أن يعمل فيه ما استطاع من طاعة وإحسان ولو أن يصوم فيه ما تيسر راجياً من الله القبول والغفران من الكريم المنان.
وقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان، جاء في بعض الآثار تسمية شعبان بشهر القرآن، ومعلوم أنّ قراءة القرآن مطلوبة في كلّ زمان، ولكنّها تتأكّد في الأزمنة المباركة والأمكنة المشرفة.
وختم فضيلته بالحمد لله ذي الفضل والإحسان، أنعم علينا بمواسم الخيرات لكي نظل على طاعته في كل الأوقات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أتقى الناس وأعبد المخلوقات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذو المكرمات ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيراً إلى يوم يبعث المخلوقات، فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، الجئوا إليه وحده في قضاء حوائجكم واطلبوا منه المدد والنصر لا من غيره، فمن اعتمد على الله وحده كفاه، ومن اعتمد على غير الله وكل إليه، ومن وكل إلى غير الله ضاع، والزموا كتاب الله -عز وجل- يهديكم للتي هي أقوم، وتمسكوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما لكم وعليكم تفلحوا وتسعدوا، وأطيعوا ذا أمركم بالمعروف توفقوا وتسددوا وتنصروا، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.