تعد منطقة الباحة واحدة من المناطق والمدن العديدة التي تكتنز إرثاً كبيراً من فن العمارة القديمة، الذي يبرز في قراها المتناثرة في أنحاء المنطقة، حيث رُوعي في تصميم مبانيها السكنية وقلاعها وحصونها أن تتواءم مع الظروف البيئية؛ كالتضاريس والمناخ، وأن تتلاءم مع الظروف الاجتماعية؛ كالعادات والتقاليد العربية القديمة.
المواطن محمد بن سالم الغامدي؛ صاحب الـ 73 عاماً، قال: “أعمل في حرفة بناء المنازل بالحجر منذ عشرات السنين”، مبيناً أن الحرفة هواية ووراثة، وأنه يعمل مع رفاقه على إنشاء غرفة من الحجارة، وتعتمد على الحجر كمادة للبناء، ويتعاون فريق عمل مكوّن من الباني والملقفين والمشاركين في البناء.
وأضاف “يستخدم في كل بناء ما يُعرف بحجر الزاوية وهو الذي يوضع على الزوايا في بناء الغرفة، كما أن هناك الحجر الطويل الذي يربط بين الحجارة والأخرى في الغرفة، ويسمى “الرابطة”، وأيضاً حجر يُسمى المتين أو الظهر لإقامة الغرفة، كما أننا نستخدم أيضاً حجارة “اللزة” ويعرّفها بأنها حجارة صغيرة جداً تكون حشواً داخل الحجارة الكبيرة حتى لا يكون هناك خللٌ بين الحجارة الكبيرة أو فتحات في الغرفة.
وتابع قائلاً: إنه يستخدم بعد عمليات الرص والتسوية لأركان الغرفة، عملية سقف الغرفة بالخشب لتغطيتها، وهي عبارة عن مجموعة من الأخشاب تقص بطريقة معينة طويلة حتى تربط بين أركان الغرفة جميعاً، كما يستخدم نباتات صغيرة تفرش على الخشب لتغطية السقف بالكامل، بعدها يوضع الطين عليها ليتماسك السقف ويكون مقاوماً لعوامل التعرية وهطول الأمطار من خلال رصفها بطرق معينة، منوّهاً إلى بعض الأهازيج المستخدمة في أثناء عملية البناء، ومنها “أربعة شالوا الجمل والجمل ما شالهم”.
ويشير الغامدي؛ إلى أنه بعد الانتهاء من عمليات البناء، تتم عملية التلييس بالطين من الداخل؛ ليكون لونه ترابياً حتى يدفئ في أوقات البرد، ويجلب البرودة خلال فصل الصيف، مبيناً أن البنَّاء يستخدم أشجار العرعر في الأبواب والشبابيك؛ لأنه أسهل في عملية تغييرها وتحويلها إلى وسائل أخرى يستطيعون الاستفادة منها، كما يستخدم في عملية البناء حجارة المرو البيضاء على أبواب وشبابيك المنزل حتى تكون علامة فارقة بلونها، إضافة إلى القواعد والأعمدة التي يطلق عليها الزافر، حيث تعتمد على رفع سقف المنزل حتى لا يسقط.
من جهته، أوضح أستاذ التصميم العمراني بجامعة الباحة الدكتور عبدالعزيز بن أحمد حنش؛ أن بناء الإنسان في منطقة الباحة يعد أحد أهم الشواهد على الحضارة العمرانية التي تعكس التطور الحاصل عبر الزمان لهذا المكان، فعمارة الباحة التقليدية وتراثها العمراني يعدان أحد أهم المرتكزات والمزايا النسبية التي تميز بها المنطقة، حيث تزخر بعديدٍ من الآثار التاريخية سواء في قطاع السراة أو تهامة والتي تحظى باهتمام الدولة -أيّدها الله- لتطوير السياحة بالباحة، وجعلها مقصداً صيفياً، إضافة إلى تنمية السياحة الشتوية.