رحلة الحج رحلة إيمانية مباركة لا تخلو من التعب والجهد والتضحية ويتطلب لها الكثير من الصبر والاستعداد النفسي والبدني والإنقطاع عن متاع الدنيا في أيام معدودات بلباس واحد رداء وإزار ( الإحرام ) وأماكن مخصوصة في المشاعر المقدسة ( منى ـ مزدلفة ـ عرفات ) وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري في “صحيحه” عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) وفي رواية له أيضًا: (من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) .
وهناك في مكة المكرمة وعند وصول الحجاج يجدون من يكون في خدمتهم ورعايتهم هذه المهمات شرف الله بها اهل مكة المكرمة فتميزوا بها وتنافسوا عليها منذ القدم لنتعرف (بالسقاية والرفادة ) وحرصت الحكومة الرشيدة على العناية بهذه الخدمات وانشئت لها لجنة في امارة منطقة مكة المكرمة تعرف باسم ” لجنة السقاية والرفادة ”
وما زلنا نطوف مكة المكرمة في هذه الأيام نتعرف على مقدمي الخدمة لحجاج بيت الله الحرام فكان ضيفنا اليوم :
في البداية نتعرف عليك؟
الاسم: عاطف بن محمد قطان.
حدثنا عن رحلتك للحج وما شهده الحج من تطور الى هذا العهد الزاخر؟
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على سيد الخلق اجمعين سيدنا ونبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين بالنسبة لمسيرتي مع الطوافة بدأتها من سن الثانية عشر من عمري وأنا في الصف السادس ابتدائي مع والدي ـ يرحمه الله ـ واخوتي (د. سليمان ود. طارق أطال الله في أعمارهم على طاعته) ـ حفظهم الله ـ فقد عشقت هذه المهنة واحببتها في سن مبكرة والحمد لله لما وجدته وتعلمته من والدي ـ يرحمه الله ـ كحسن معاملة وطيب خلق ولما وجدته من تعامل صادق وحب مخلص لوالدي من الحجاج وكانوا من جنسيات متعددة منهم العرب ومنهم من جنوب شرق آسيا ومن جنوب آسيا وأيضاً من دول أفريقيا غير العربية من دولة نيجيريا والسنغال وتشاد وبفضل الله سبحانه وتعالى وتوفيقه ثم برعاية واهتمام حكومتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين أولت الحج والحجاج رعاية واهتمام ونلاحظ التطور والنقلة النوعية التي وصل إليها الحج من ناحية المساكن بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة كيف كانت وكيف أصبحت عليه الآن.
في أي عمر بدأت مشاركتك الفعلية في أعمال الحج؟
كانت مسيرتي مع الطوافة في وقت مبكر بدأتها من سن الثانية عشرة من عمري وأنا في الصف السادس ابتدائي مع والدي ـ يرحمه الله ـ الشيخ محمد عبد الفتاح قطان واخوتي (د. سليمان ود. طارق أطال الله في أعمارهم على طاعته) حفظهم الله.
الطوافة مهنة وراثية ارتبطت بعدة أسر وعوائل توارثوها عن الآباء والأجداد، عمن ورثت هذه المهنة؟
ورثت الطوافة أباً عن جد والحمد لله.
كيف كان يتم الترتيب والتواصل بينكم وبين الحجاج من الدول المختلفة لأداء فريضة الحج؟
كان في السابق يحصل التواصل بين والدي ـ يرحمه الله ـ والحجاج عن طريق الوكيل بجدة الذي يقوم بأرسال البرقية عند قدوم الحجاج إلى جدة ويقوم الوالد ـ رحمة الله عليه ـ للقائهم والتعرف عليهم.
ولازلت أذكر العم عبدالله بحيري من مكتب الوكلاء وقد كان صديق للوالد وعلى صلة قوية ـ يرحمهما الله ـ ويتغمدهم بواسع رحمته.
كان مكتب الوكلاء بجدة همزة الوصل بين المطوف والحجاج عن طريق الهاتف وذلك بإبلاغه بأنهم سوف يصلون إلى مكة المكرمة في تاريخ معين من أجل حجز المباني أو الفنادق لهم مثل حجاج جمهورية ليبيا الشعبية.
تختلف لغات الحجاج ولهجاتهم فما هي طريقة الحوار بينكم وخاصة في حال حدوث إشكال وكيف يتم إرضاء الحجاج؟
بفضل من الله ونعمه كان والدي يرحمه الله يجيد ويتقن اللغة الإندونيسية بطلاقة أما الجنسيات الأخرى مثل السنغال وحجاج نيجيريا كان لدينا مترجمين يقومون بمساعدتنا وتسهيل العقبات من حيث اللغة والحمد لله.
كيف كنتم تستعدون في وقت مبكر لاستقبال الحجاج خاصة وان بعضهم يصل في وقت مبكر عن طريق البحر؟
كان والدي ـ يرحمه الله ـ يشمر عن ساعديه ويستعد من شهر شوال حيث كان حجاج اندونيسيا يصلون إلى مكة المكرمة شرفها الله مبكراً وكان والدي يجهز المكتب والعمال ليستعدوا في استقبال الحجاج وأنا وإخوتي نضم إليهم بعد الانصراف من المدرسة وكنت أشعر بالسعادة وأنا بجانب والدي وكان ـ يرسلني إلى مطعم البيوم ـ (مطعم بمنطقة الشامية بمكة المكرمة مشهور بتحضير الطعام الإندونيسي) لإحضار وجبة الضيافة للحجاج.
قد يصدف أن يمرض الحاج او يتعرض لعارض صحي أثناء الحج فكيف تساعدونه في اكمال حجته؟
يعتمد على الحالة الصحية للحاج فإذا كانت حالته تسمح بتأدية فريضة الحج ولكن يحتاج إلى كرسي متحرك فيؤمن له ما يلزم من مرافق أو غير ذلك.
أما إذا كان منوم بأحد مستشفيات مكة المكرمة وحالته الصحية لا تسمح له بالحركة فان الدولة جزاه الله خيراً لديها برنامج تقوم بنقل المرضى المنومين على نفقتها بسيارات الإسعاف الخاصة بكل مستشفى بالتعاون مع الهلال الأحمر مشكورين.
عشرة ذي الحجة أيام مباركات كيف تعيشونها مع الحجاج في خدمتهم؟
في هذه الأيام يعيش الحجيج فرحة الانتظار والترقب ليوم الحج الأكبر يوم عرفة فنلاحظ استعدا المطوف وعمله الدؤوب لتجهيز المخيمات في كلاً من مشعر منى وعرفة والتواصل مع النقابة العامة للسيارات لتحديد عدد الحافلات وموعد استلامها من الشركة الخاصة بنقل الحجاج وعند حلول الموعد لتصعيدهم نتوجه إلى مكان حجز السيارات لاستلامها والبدء في التصعيد إلى المشاعر المقدسة…
أيام التروية تبدأ من اليوم السابع ما هي المشقة التي يوجهها المطوف؟
ليس هناك مشقة أو تعب بل سعادة وفرحة نشارك فيها الحجاج ومن الأعمال التي نقوم بها حث الحجاج على الاستعداد والتبكير في لبس الإحرام والحرص والتأكد من أخذ مستلزماتهم وما يحتاجونه من أدوات أو علاجات خاصة بهم.
يوم عرفة يوم عظيم حدثنا عن الأعمال التي يقوم بها المطوف في ذلك اليوم؟
كان والدي ـ يرحمه الله ـ يقوم باستقبال الحجيج في مشعر عرفة والترحيب بهم وتوجيههم بمساعدة المساعدين له إلى الخيام الخاصة بهم ثم بعد ذلك يتم تقديم وجبة العشاء للحجاج الذين يصعدون إلى مشعر عرفة في اليوم الثامن وفي اليوم التاسع من ذي الحجة يوم الوقفة يقوم الوالد ـ يرحمه الله ـ بجمع الحجيج وأداء صلاة الظهر والعصر والوقوف والدعاء معهم ثم بعد ذلك نقدم لهم وجبة الغداء وبعد العصر نقوم بالتأكد من جاهزية الباصات لنقل الحجيج إلى مشعر مزدلفة وحثهم على الاستعداد والجاهزية للذهاب إلى مشعر مزدلفة.
صباح يوم عيد الأضحى المبارك يعقب يوم عرفة مباشرة وقد أنهك المطوفين التعب فأين يكون موقع المطوف في ذلك اليوم؟
في اليوم العاشر من شهر ذو الحجة نكون في مشعر منى لاستقبال الحجيج والترحيب بهم وتهنئتهم بعيد الأضحى المبارك وتقديم حلوى العيد لهم وتذكيرهم بتقديم الاضحية في المكان المحدد من قبل الدولة حيث جهزت الدولة مشكورة مكان يطلق عليها المجزرة لذبح الأضاحي.
بماذا يستقبل المطوف الحجاج في يوم العيد؟
يستقبل الحجيج بالترحيب بهم وتهنئتهم بعيد الأضحى المبارك وتقديم حلوى العيد لهم والتأكد من جاهزية المخيم بجميع مستلزماته واحتياجات الحجيج لفترة أيام التشريق وأيضاً جاهزية المطبخ الذي سوف تقدم الوجبات من خلاله في أيام التشريق والتأكد من نظافته.
غالبا ما يتعجل الحجاج في اليوم الثاني عشر وقليل من يبقى لليوم الثالث عشر كيف ترون انقضاء تلك الأيام؟
سعادة وراحة ورضا الحجيج وتعامل راقي مع ضيوف بيت الله ورحة نراها في وجههم بشعورهم بانقضاء الحج نتبادل معهم الدعوات بالقبول والسلامة بانتهاء الحج.
التكبير في هذه الأيام تضج به المشاعر المقدسة كيف تصفون روحانية ذلك؟
شعور جميل وعظيم وروحانية تهتز بها الأرواح والأبدان لمناجاة رب عظيم ورحيم يقصده كل الحجيج متأملين العفو والغفران والصفح والقبول لجميع الاعمال وذلك بالدعاء والتهليل والتكبير لخالق السماوات والأرض سبحانه وتعالى.
كيف تودعون الحجاج عند مغادرتهم وما هي المشاعر المتبادلة؟
بالحب والابتسامة والعناق والدعاء لهم وطلب الدعاء لنا منهم وبتقديم بعض الهدايا المتواضعة مثل: (المسابح والمصليات) من أجل الذكرى.
اذكر لنا احدى الفوائد التي جنيتها خلال عملك في خدمة الحجاج؟
محبة الله ومحبة المهنة التي ورثتها من والدي وأجدادي يرحمهم الله واسكنهم فسيح جناته والتي شرفنا الله بها وتعلقي الدائم بانتظار شهر القعدة والحج لمتابعة تقديم خدمة ضيوف الرحمن والتعرف عليهم.
اذكر لنا موقفاً ما زال راسخاً في ذهنك مع أحد الحجاج؟
في أحد السنوات وفي يوم تصعيد الحجيج من مشعر منى إلى مشعر عرفة قرابة الساعة الحادية عشر صباحاً كنت في باص ومعي مجموعة من حجاج جنوب افريقيا وكان الطقس حار جداً وبسبب زحمة الباصات لم نستطع الدخول إلى المخيم التابع لنا اضطررنا أن ندور بالباص حول مشعر عرفة لأكثر من ساعة وعندها أقفلت الطرق بمشعر عرفات للاستعداد لتوجيه الباصات إلى مشعر مزدلفة والتي يطلق عليها (النفرة) مما اضطرني إلى نقل الحجاج إلى باص آخر كانت وجهته إلى داخل عرفة وكنت امشي على رجلي أمام الباص تحت اشعة الشمس الحارقة والحمد لله لكي اجد مدخل يوصلني والحجيج إلى داخل المخيم الخاص بنا وقد استغرق مني ذلك ساعتين مشي أمام الباص ويعلم الله اني لا ابالغ حتى وصلنا إلى المخيم أخيراً بعد تعب وارهاق وكان من بين الحجيج داخل الباص الرجال والنساء والأطفال الصغار والكبار وعند وصولنا إلى المخيم دخل الحجيج ودخلت انا المكتب الخاص بنا بمشعر عرفة وبمجرد دخولي وبسبب الإرهاق الذي مررت به اغمى علي ولم اشعر بنفسي الا بعد صلاة العصر وقد عملت لي الإسعافات الأولية لإفاقتي واستعادة صحتي . وفي يوم العاشر من ذي الحجة يوم العيد وانا جالس بمخيم منى وإذا بحاج يطلب مني الذهاب معه إلى الخيمة التي يسكن بها وعند دخولي الخيمة فإذا بعالم جليل من علماء حجاج جنوب افريقيا يجلس في الخيمة وحوله الحجيج يدعوني للجلوس بجانبه وقد علم من الحجاج الذين يرافقونه باني أمثل نائب رئيس مركز الخدمة وقد تعجب من موقفي حيث كان يتابعني وهو في داخل الباص من ضمن الحجاج يوم التاسع من ذو الحجة عندما كنت امشي على رجلي تحت الشمس الحارقة لإيصالهم للمخيم وقد قام بالدعاء لي وشكري لما قمت به عندها حمدت الله وشكرته وكنت سعيداً جداً للانطباع الذي تركته في نفوس ضيوف الرحمن.
كلمة خاتمة :
أسال المولى جل في علاه ان ييسر للحجيج أداء فريضة الحج والعمرة وان يتقبل منهم جميع الأعمال وأن يجعله لهم حجاً مبرور وسعياً مشكور وان يجعله موسم مبارك ميسر لكل من سوف يشارك ويساعد في خدمة ضيوف الرحمن وأن يجعل عملنا خالصاًُ لوجهه الكريم وأن يعيننا على تقديم ما يرضاه ربي ويتقبله وأود ان ارفع اسمى واخلص الدعوات لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ـ حفظه الله وأمده بالصحة والعافية وولي عهده الأمير محمد بن سلمان ـ حفظه الله ـ ومعالي وزير الحج وجميع من شاركوا ويشاركوا في تيسير وتسهيل خدمة ضيوف الرحمن وأن يطيل في أعمارهم في طاعته ويجزيهم خير الجزاء على ما قدموه ويقدموه لضيوف بيت الله العتيق واخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.