وسط منظومة من الخدمات المتكاملة التي تقدمها الهيئة العام للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أمّ المسلمين لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن عدم جواز الحج بلا تصريح فقال : في كل عام ومع اقتراب شهر ذي الحجة ، تهفو أفئدة مؤمنة كثيرة إلى بيت الله الحرام ، وتتوق للحج إليه ، إنها تحلم برؤية البيت العتيق الذي باركه الله -عز وجل -واختصه بالخير ، وأغدق عليه وعلى من حج إليه ، سحائب رحمته وفيض غفرانه وأمنه وكرمه ، استجابة لدعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ربه ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) .
الحج إلى بيت الله الحرام فرض عين على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة في العمر كله لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، ومن استطاع أن يحج فلم يفعل كان عاصيا آثما وهو على خطر عظيم قال الله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)
وما ينبغي ذكره في هذا المقام التنبيه إلى البيان الشرعي لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية والداعي إلى عدم جواز الحج بلا تصريح مدعما ذلك بالبيان المبارك بالأصول العامة للشريعة ، والقواعد الفقهية الكلية التي تقرر وجوب دفع الضرر قبل وقوعه وبعد وقوعه ، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، وتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، والاعتبار بالمآلات المترتبة على الأفعال إقداما وإحجاما، ووجوب طاعة ولي الأمر في المعروف وحرمة مخالفته ، فضلا عن مراعاة المصالح الضرورية الخمس (النفس، والدين، والعرض، والمال،والعقل) التي جاءت الشريعة الغراء لحفظها، وإثباتها،وإبعاد كل ما يخل بها، أو يجعلها تختل أو تتعطل ،كما هو الحال في الأضرار الجسيمة والمخاطر المتعددة المترتبة على عدم الالتزام باستخراج التصريح بالحج في هذا العصر .
ثم تحدث فضيلته عن قصة الحج فقال: والحج يا أمة الإسلام مظهر عملي للأخوة الإسلامية ووحدة الأمة الإسلامية حيث يجتمع المسلمون لأداء هذه العبادة كما أداها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا ، ويحصل بهذا التجمع منافع الاقتداء والتذكرة ، وتعظيم شعائر الله ، فالمسلم حين يقف في هذه المشاعر المقدسة يستشعر الحقائق التي كانت وقعت فيها ، ومنها : قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وزوجه هاجر حين قالت : إلى من تتركنا ؟ قال إلى الله ، قالت : إذاً لايضيعنا الله .
وقصة الرضيع الذي يفحص بقدميه من العطش وأمه تسعى بين الصفا والمروة طلباً للغوث حتى أتمت سبعة أشواط فنبع الماء من تحت قدم الرضيع إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
وقصة بناء البيت ورفع القواعد على التوحيد والإيمان الخالص لله وحده لا شريك له .
وتحدث فضيلته عن مقدمات النبوة فقال : وقصة مقدمات النبوة المحمدية وإرهاصاتها العجيبة، ثم النبوة والرسالة والدعوة والأذى والصبر والتحمل والهجرة ثم الفتح والانتصار ، فالمسلم حين يقف في هذه المواقف ويستشعر هذه الحقائق يحس بالقرب من الله عند بيته الحرام ، تحوم حوله هذه المعانى وهذه التذكرة فتسيطر على مشاعره وأحاسيسه ، فلا يرى حوله إلا توحيد الله وإخلاص العبادة له ،فيحاسب نفسه على أفعاله في بلاده ، وهل صرف شيئاً مما يجب لله لغير الله ، فيتوب ويرجع بقلب سليم وعمل صاف جميل وعقيدة نقية طاهره ، وكل هذه الحكم والأهداف تدور حول المعنى الذي يربط الإنسان بخالقه ، ويصل أهل الأرض برب السماء والأرض ، فهو المعنى الذي يليق بالناس أن يجتمعوا عليه دائماً ، لتطهير القلوب من أدناس الشرك ،والأعمال من أرجاس الوثنية ، تلك العقيدة التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان واللغات والأقطار والطبقات ، وتبرز حقيقة العبودية والأخوة ، فالجميع بلباس واحد ، يعبدون إلها واحداً لا إله إلا هو ، يجدون قوة الوحدة وفائدة التضامن تحت راية الإيمان ، وداعى هذا التجمع قوله تعالى : ﴿ وَأَذِنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجَ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) والقاعدة الأساسية لهذا اللقاء هي قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ) لا في قليل ولا في كثير ، لا في قول ولا في عمل، لا في مسيرة ولا في هتاف ، إنما هو تجريد القصد والعمل لله وحده وترك كل ما سواه ، فلا يعبد إلا الله ،ولا يُدعى إلا الله ، ولا يُذكر إلا اسم الله تهليلاً وتكبيراً ،وتسبيحاً وتحميداً وتلبية وخضوعاً ، في هدوء وخشوع وسكينة ووقار ، وفي ذل وانكسار ، وأحذر كل الحذر أن تصرف شيئا من حقه إلى سواه ، فان ذلك انحطاط من علياء الإيمان إلى حضيض الشرك ، والعياذ بالله .
واختتم فضيلته خطبته الأولى بوصايا لحجاج بيت الله الحرام فقال: والحج يا عباد الله موسم كبير لكسب الأجور ، وتكفير السيئات ، يقف فيه العبد بين يدي ربه مقرا بتوحيده ، معترفا بذنبه وعجزه عن القيام بحق ربه ، فيرجع من الحج نقيا من الذنوب كيوم ولدته أمه .
ووصيتي لكم حجاج بيت الله الحرام أن تحرصوا على أن يكون حجكم مبرورا قال صلى الله عليه وسلم ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري ، والحج المبرور هو الذي لا تخالطه معصية ، لا رفث ولا فسوق ولا جدال ولا أشر ولا بطر ولا رياء ولا سمعة .
واتق الله أخي الحاج واعلم أن الله تبارك وتعالى يراقبك في جميع أوقاتك وفي كل أحوالك ، واعلم أنك خدمت وكفيت ، فلقد بذلت المملكة العربية السعودية حامية الحرمين الشريفين كل طاقاتها الاقتصادية والاجتماعية والتوجيهية والإرشادية لتوفير الراحة لحجاج بيت الله الحرام ولزوار مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيؤدي الحاج مناسك حجه فى أمن واستقرار ورخاء وراحة نفسية ،فلم يبق لأحد كائناً من كان أي مجال للفسوق والجدال ، والخلاف والشقاق والتشويش والفوضى وإشغال الحجاج عن أعمال الحج وعن طاعة الله عز وجل ، ولم يبق مجال لانتهاك حرمة البقاع المقدسة بالتجمعات والهتافات غير المشروعة وإيذاء المسلمين عند بيت رب العالمين وعند مسجد سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام .
والله تبارك وتعالى يغار على حرماته ويحمي مقدساته ويحرس وفوده ، وينصر عباده الذين جعلهم في خدمة الحرمين الشريفين فليس للمفسد إلا الفشل والخزي والعقوبة من الله والبغض من الناس ، (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) فاتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله وعظموا حرماته ، وأدوا فريضة الحج بسكينة وإخلاص.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن عشر ذي الحجة وعظمها فقال: ألا وأنكم في استقبال عشر ذي الحجة المباركات التي أقسم الله بلياليها في الكتاب ، وأيام عظم الله شأنها في محكم ذلك الخطاب ، فقال جل شأنه (والفجر وليال عشر ) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه العشر ، قالوا يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء . أخرجه البخاري .
وأخرج الامام مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل العشر واراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي ، فأين المسارعون إلى قيامها وصيامها ؟ والمتسابقون فيها إلى الأعمال الصالحة واغتنامها ، فاستنشقوا وفقكم الله نفحات الخير وتنسموها، وتعرضوا لنفحات رحمة الله كلما ألمت واغتنموها فإنها أيام غزير فضلها ، عزيز في الرغائب مثلها ، فالدعوات فيها مقبولة ، والرغائب فيها مبذولة .