خطب وأمّ المصلين لصلاة الجمعة الماضية في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي ، حيث تناول في خطبته موضوع “الرشد والإرشاد” مشددًا على أهمية الهداية والابتعاد عن الغواية.
واستهل الشيخ فضيلته خطبته قائلاً:
“الحمد لله المنفرد بالخلق والإيجاد، عمّ برحمته جميع العباد، وخص أهل طاعته بالهداية إلى سبيل الرشاد، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، هَدى به من الضلالة وأرشد به من الغواية، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريق الهدى والسداد. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فمن اتقى الله تعالى جعل له هدى يتبصر به من العمى والجهالة”.
وذكر أن من توفيق الله لعبده أن يجعله سالكًا سبيل الرشاد، ومسدّدًا في قوله وعمله، داعيًا إلى الخير ودالًا عليه، وهذا فضل كبير ومقام رفيع، وضِدُّ ذلك؛ أن يضِلَّ المرء عن سبيل النجاة والهداية ويَسْلُكَ مسالك الغواية، وشتان بين الحالين، قال الله تعالى: “قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ”.
وأشار إلى أن الرشد له أسباب في مقدمتها الاستجابة لدعوة الإيمان والطاعة، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من يطع الله ورسوله فقد رشد”. كما ذكر أهمية اتباع القرآن الكريم كما قال ابن تيميه رحمه الله: “من تدبر القرآن طالبًا الهدى فيه تبين له طريق الحق”.
وأوضح أن طلب العلم النافع وسؤال الله الرشد من سبل تحقيق الرشاد، مستدلاً بقول الله تعالى على لسان موسى للخضر عليهما السلام: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾. ومن طرق اكتساب الرشد: سؤالُ الله سبحانه تلك المنزلةَ؛ فقد سألها الفتيةُ المؤمنة حين أووا إلى كهفهم؛ ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾، وأَمَر اللهُ تعالى نبيَّه عليه الصلاة والسلام بذلك السؤال إذ يقول: ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾، وامتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه؛ فكان يسأل ربه الرشد ويقول: (اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي).
واختتم خطبته الأولى بتوجيه المصلين إلى التأمل في حالهم، متسائلًا: “هل أنت على سبيل الرشاد وجادة الحق؟”، داعيًا الجميع إلى الثبات على الطاعات، وتجنب المعاصي، والإرشاد إلى الخير.
ثم بدأ فضيلته خطبته الثانية بالحمد والثناء على الله، قائلاً: “الحمد لله الذي أرشدنا إلى طريق الحق والهداية، وأنجانا بفضله من سبل الباطل والغواية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه”.
وأوضح أن من علامة الرشاد أن يُحبب الله الإيمان إلى عبده، ويزيّن الإيمان في قلبه، ويُبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان، مستشهداً بقول الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
واختتم بالدعاء قائلاً: ” اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللَّهُمَّ انصر الْمُسْتَضْعَفِينَ والمجاهدين في سبيلك والمرابطين على الثغور وحماة الحدود، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا رخاء وسعة وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى من الأقوال والأفعال، يا حي يا قيوم، اللهم وفقه وولي عهده لهداك وتقواك، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في فِلَسْطين وفي كل مكان، اللهم اشف مرضاهم وعاف مبتلاهم واحقن دماءهم وارحم موتاهم وتقبل في الشهداء قتلاهم، اللهم أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، اللهم فرج همهم واكشف كربهم وارحم ضعفهم واجبر كسرهم، واربط على قلوبهم وأنزل السكينة عليهم، اللهم انصرهم ومكن لهم، واجعل دائرة السوء على من بغى عليهم، واشدد وطأتك على من آذاهم وتسلط عليهم يا سميع الدعاء، ﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا﴾، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شر أنفسنا، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه أجمعين”.