أكد فضيلة الشيخ الدكتور ياسر الدوسري إمام وخطيب المسجد الحرام إن مِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ نعمةَ الوطنِ، وهي منْ جليلِ المِنن، وعطيّةٌ لا تُقَدَّرُ بثمن، وحبّه مركوز في الفِطر، وكلُّ ذلك في الكتاب والسنة مُستطر، فقد ربط الله بين حب النفس وحب الأوطان، وقرن الجلاء عن البلاد بفوات الأبدان، قال تعالى: {قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا}، كما جمعَ الله في القرآن بين الدين والوطن، فقال سبحانه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}.
جاء ذلك في كلمة ألقاها في مناسبة الاحتفاء باليوم الوطني الـ٩٤ للمملكة العربية السعودية، والذي أقامته رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، برعاية معالي رئيس الشؤون الدينية،الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس.
وبين فضيلته أن هذا الحب قائماً في نفوس البشر كلٌّ لوطنِهِ، فكيفَ إذا كان الحالُ متعلقاً بهذا الوطن المبارك؛ اختاره الله تعالى مهبطاً للوحي والقرآن، ومأرزاً للإيمانِ، ومنَّ الله عليه أنْ جَعَلَهُ على الجادّة مِنْ توحيدِ اللهِ وإخلاصِ العبادةِ له، واجتماعِ الكلمةِ وَوحدة الصف، واستخْلَفَ عليه ولاةَ أمرٍ موحّدين مُصْلِحِينَ، وألبسهُ الله لباس الأمن والأمان، وَفَتَحَ عَلَيْـه أَبْوَابَ الرزقوالإنعام، وشرفه ببيتِهِ الحرامِ، فأضحت قبلةً للمسلمين ومنارةً للعلمِ والإيمان.
وأضاف إنّ هذه المكانةَ العاليةَ، والمنزلةَ الساميةَ لهذا الوطن الغالي، تحتمُ على كلِّ من يعيش على ثراه، ويتقلب في خيراته تحت سمَاه، أن يقوم بواجبه تجاه هذا الوطن المعطاء، ومن هنا فإن خطباء الحرمين الشريفين يستشعرون هذه المسؤولية العظيمة، فكانوا وما زالوا يعززون الانتماء لهذا الوطن العظيم، ويؤكدون على هذه المعاني العميقة من خلالِ خطبِهِم ودروسهم ومحاضراتهم ونتاجهم العلمي، مرسخين عدد من المفاهيم ومنها التذكير بأهمية شكر الله عز وجل على نعمة الأمن والأمان،والتأكيدُ على حبِّ هذه البلاد المباركة، ومن لوازم هذه المحبة الدفاع عنها؛ لأنها قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم.
وكذلك ترسيخُ مفهوم السمع والطاعة لولاة أمرنا ولزوم الجماعة، والوصيةُ بلزوم العلماء الربانيين الراسخين المعتبرين، وتعزيزُ مفهومِ الأمنِ الفكري وتقويتُهُ لدى الناشئة والمجتمع، لحمايتهم وتحصينهم من العقائد الفاسدة، والأفكار المنحرفة، والجماعات المتطرفة، وحثُّ الناس على احترام أنظمة الوطن وقوانينه، والحفاظ على أرضه ومقدراته، والمساهمة الفاعلة في تحقيق رؤيته وتطلعاته.
وأضاف منها التأكيدُ على أهميةِ العنايةِ بالعلمِ والتسلحِ بالوعي، وبيانُ أنَّ المواطنةَ الصالحةَ ليست مجرد كلماتٍ تُردَّد، ولا شعاراتٍ تُرفَع، بل هي إخلاصٌ وولاءٌ، وقيمٌ ومبادئ، والتذكيرُ بأن الإسلامَ جاء برسالة عالمية تتجه بمبادئها السمحة وتعاليمها الوسطية والمعتدلة للناس كافة، وتُرسي دعائمَ السلامِ في الأرض، وتدعو إلى التعايشِ السلمي والإيجابي بين البشرِ جميعاً في جوٍّ منَ التسامحِ بين كلِّ الناسِ باختلافِ أجناسِهِم وألوانِهم ومعتقداتِهم وأديانِهم، وتوصية الأجيال بأن يكونوا لوطنهم خيرَ بُناة، ولمقوّماته وَأُسُسِه أقوى حُماة، وأن يحملوا في قلوبِهِم حبَّ الوطن، وَالاعتِزَازَ بأمجادِهِ ورؤيتِهِ وإنجازاتِهِ.
وفي ختام كلمته سأل اللهَ جلَّ وعلا أن يحفظَ على هذه البلادِ عقيدتَها وأمنَها وأمانَها وولاةَ أمرِهَا وعلماءَهَا، واجتماعَ كلمتِها واستقرارَها وازدهارَها، وأن يجعلها شامخة عزيزة إلى يوم الدِّين، إنَّه وليٌّ ذلك والقادرُ عليه.