الكاتب مشاري بودريد دائمًا ذلك الصوت الجرئ الذي لا يخشى الخوض في قضايا شائكة وتحليل الظواهر الاجتماعية بمنظور نقدي حاد. لكن وراء هذا القلم القوي كان هناك قصة درامية تُلقي بظلالها على حياته الشخصية والمهنية.
نشأ بودريد في أسرة متوسطة الحال في الكويت، حيث نشأ على حب المعرفة والكتابة. منذ صغره، كان يهوى الكتب، لكنه لم يكن يقرأ لأجل القراءة فقط؛ كان يبحث عن المعاني العميقة وعن الحقيقة بين السطور. لذلك شبه الكتابة بالبحر لعمقها وفضاء الحرية فيها. عندما بدأ بكتابة مقالاته الأولى، لم يكن يتوقع أن تلاقي كتاباته صدىً كبيراً، لكنه سرعان ما أدرك قوة كلماته وقدرتها على الوصول لأعماق الجمهور .
وكانت أول مقالة كتبها في عمر الرابع عشر ، ومنذ ذلك اليوم أصبح عاشقا للكتابة ، فتولد بداخله هاجسا وحلماً أن يكتب كتابه الأول ، وتحقق حلمه في عمر العشرون حينما أصدر كتاب الفجر البعيد والذي حقق نجاحاً باهر آنذاك .
الكتابة على أنها كانت الملجأ والمكان المريح للكاتب مشاري إلا انها وضعت حاجزاً بينه وبين الجامعة حيث انه تأخر كثيراً في التخرج بسبب الخوض في الكتابة والانغماس برواياته .
”كان الشعور لحظة إصداره مثل الغيوم التي تعانق السماء عناقا في الشتاء ، كان شعور تحقيق الحلم الذي لطالما أردته ”
ذلك كان جوابه عندما تم سؤاله عن شعوره عندما أصدر اول رواية له ” الفجر البعيد ”
في بداية مشواره المهني، واجه بودريد الكثير من الصعوبات والانتقادات. كان يكتب عن مواضيع تعتبر من المحرمات الاجتماعية، متحدثاً عن العدالة الاجتماعية والفساد ومشكلات الهوية والانتماء. لم يكن من السهل عليه أن يتحدى التيار السائد؛ لكنه كان قوي الرأي عنيد الرأس فيما يكتب. حيث تعرض لضغوط شديدة من جهات مختلفة تحاول إسكات صوته.
في أحد مقالاته، أشار إلى قضية حساسة تمس حرية التعبير، مما أثار غضب بعض الأطراف المتنفذة التي لم تتردد في استخدام نفوذها لعرقلة مسيرته.
ومع ذلك، ظل بودريد صامداً، مدركاً أن طريق التغيير لا يخلو من التضحية. ورغم كل الضغوط التي واجهها، استمر في تقديم مقالاته الجريئة، ملتزماً بمبادئه وأفكاره التي يؤمن بها. ولأنه كان يدرك أن الكتابة هي سلاحه الأقوى، استخدمها للدفاع عن المستضعفين ولمناهضة الظلم.
خلال هذه الفترة، لم يكن بودريد محصناً من الإحباطات الشخصية. فقد عانى من عدة انتكاسات عاطفية، تزامنت مع تزايد الضغوط المهنية. كان عليه أن يوازن بين مسيرته المهنية وحياته الشخصية، وهو تحدٍ ليس بالهيّن، خاصةً عندما تكون الكلمة هي سلاحك الوحيد.
ورغم كل التحديات، استمر بودريد في كتابة قصته، تلك القصة التي تتجلى في كتاباته اليومية. من خلال دمج خبراته الشخصية مع نقده الاجتماعي، أصبح رمزًا للأمل والصمود.
لم يكن من المعتاد في معرض الكتاب ان يحظى بصخب وتصفيق الجمهور للكاتب ، لكن ذلك ما حصل في معرض الرياض 2024 عند توقيع كتاب رواية أرامينتا الذي كانت من يد مشاري بودريد وذلك دل على أن الروايه لاقت حب كبير من الجمهور ومعجبينه والرواية تعد من الروايات التي قال عنها “اكثر رواية اخذت الكثير من طاقتي عند كتابتها ” ولكن ذلك التعب لم يكن عبثاً ، حققت تلك الرواية في ان تصبح من اكثر الروايات مشاهدة وبيع في تاريخ كتاباته .
اليوم، يُعتبر مشاري بودريد من أبرز الكتّاب في الساحة الإعلامية الكويتية، حيث يواصل تقديم أعمال تعبر عن رؤيته الخاصة وتحمل رسائل قوية تلامس قلوب الكثيرين.
في نهاية المطاف، يبقى مشاري بودريد شاهداً على قوة الكلمة، ومثالاً للشجاعة التي تُلهم الآخرين لمواجهة الصعاب، حيث أثبت أن الكتابة ليست مجرد حروف تُنسج، بل حياة تُعاش بكل ما فيها من تحديات وأحلام.