بقلم - عادل القرين
لكل واحدٍ منا ذكرياته الخاصة والعامة، ولكن ما حالك وأنت تستحضر أنفاس طفولتك، وصباك، وشبابك، ونضجك؛ وحتى مُقتنياتك والصور تتحدث لك؟
نعم، الوالد (رحمه الله)، ترسانة من اللقطات والوثائق، وكذلك دفاتر دراستي موجودة من صف خامس ابتدائي إلى الآن!
بلى، حتى الأقلام المنتهية الصلاحية بحوزتي، فما بالك بأوراق الأمتحانات ونتائجها، وأرقام طلاب مدرسة الجارود لابتدائية، والقصاصات الورقية بأدقها وأشملها!
مكتبتي الآن ليست بالصغيرة، ولك أن تتخيل حجمها الآن، وهي محملة بعبق الأوراق الصفراء المعتقة؛ وما فيها من همسات وذكريات!
أتذكر أول مشروع لي مع الكهرباء، وذلك بأن مددت أسلاك تشغيل (اللمبة)، في داخل مسجد صنعه لي ابن العم عباس القرين، فأخذت من الوالدة (مشخل) الرز القديمة؛ كقبة لهذا المجسم في صف أول متوسط (العمل في منزلنا القديم الآن)!
إلى أن تعقبات السنوات بحلوها ومرها فوق أيادي النور لحبيبنا وأستاذنا المهندس حسين بن حسن الشواف، والذي أشعل فيَّ فتيل تحدي الذات لتخصصة هندسة الكهرباء، ( PLC )..
وهو المتحكم المنطقي القابل للبرمجة (بالإنجليزية: Programmable Logic Controller) أو اختصاراً PLC، كحاسوب رقمي يستعمل في أتمتة العمليات الكهروميكانيكية.
هذا المهندس والماستر فتح بأذهاننا مع رفاق دربي حب نور العقل ووعية، قبل الطاقة وتوق الإفاقة لتخصص الكهرباء في جدية للشرح، وإيصال المعلومة، وعدم الاستخفاف؛ حتى تحسست الأنامل موصلات الطاقة الكهربائية في الثانوية والكلية التقنية بالدمام!
ما زلت أتذكر مدير الكلية الدكتور عيسى بن حسن الأنصاري، وفعاليات اليوم المفتوح، وكذلك اليوم المهني هناك عام ١٤١٦هـ ومطعم الناعورة، ومدير شؤون الطلاب الأستاذ محمد الحواس، ومشرف المطعم، والسكن..
لتدور عجلة الزمن ويكتب الله التوفيق لحبيبنا حسن بن ناصر القطان، وفقيدنا المرحوم هاني بن عباس الحرز، ولمعتزل الفن إبراهيم بن خلف الخلف قبولهم للعمل بشركة كهرباء رفحاء وضواحيها بالشمال.
حينها زادت الاتصالات بيني وبين الأخ حسن القطان (أبو بسام)، حيال راحتهم وتكيفهم هناك بالشمال، وبعد ثلاثة أشهر على وجه التحديد، رن جهاز (البيجر) عندي كالبلبل المغرد: “العجل العجل”، فذهبت إلى تليفون الكلية المشحون بالبطاقة، وقد لاوح لي بعبوس وجه سماعته (صج فراغة تراني عطلان، شف لك صرفة يا بو الشباب)!
فأخذت خطواتي تجر أذيالها إلى جهاز الاتصال بذات مواصفات سابقه، في حديقة الملك فهد المعنونة أمام باب الكلية!
فأخذت أطير كعباس بن فرناس، وعدنان صديق لينا، وطرزان صاحب العلكة، مجتثاً المخاطر، والقفر على حواجز (الهاي وي)، لطريق الدمام الظهران السريع!
وتم اتصالي بالأخ حسن على رقم مكان عمله الثابت بالشمال بنص العبارة منه لي: “شف إذا لك خاطر، الجماعة يبون شباب يشتغلون هنا، كلم الربع، وأرسلوا أوراقكم على الفاكس ما يحتاج تجون”!
فأخذت أتصل على هذا وذاك وأبلغهم رسالة حسن، وأرسلت حينها أوراقي من “كبينة الاتصال الدولية” بالهفوف؛ وغرفها الخاصة (حواجز الألومنيوم والأبواب الضيقة)، وأجهزة الاتصال الكثيرة، ومحلها بالجوار للدفاع المدني، ونقليات القطان الدولية، ومطعم بيروت الحديث، واستديو الخليفة، ومستوصف الحوراء.
فدارت رحى الأوقات، فتم الاتصال بثلاثة منا للحضور وإجراء المقابلة الشخصية، لمحدثكم عادل القرين، وفقيدنا الراحل عبد الجليل بن الله الخميس من قرية الحليلة، وحبيبنا إبراهيم البراهيم من قرية الحفر..
أتفقنا الثلاثة على أن ننطلق سوية من محطة النقل الجماعي بالدمام إلى رفحاء، وأتذكر أيضاً العشب الأخضر يزين (أسفلت) الطريق لكثرة المطر بتلك السنة، وسعر (الفقع) ١٠ كليو ما يتجاوز ٦٠ ريال لوفرته وحسب نوعيته !
ومن محطةٍ إلى راحةٍ استقر بنا الأمر في وقتٍ متأخرٍ في محطة ياسين العلاوي برفحاء، ودخلنا المطعم المجاور، وذلك بعد أن استقبلنا حبيبنا الأخ حسن بن علي بو حيزة من أهالي البطالية، وذلك باتفاق من (اللي ما ينطرون)، لفعل الخديعة فينا بالضياع، وتغيير اللهجة (أمحق عاد، وأخذ لك).. حتى أن طال بنا السهر، وأجرينا المقابلة بيسر وسهولة، وأخذ أحد الأحبة وهو الأخ إبواهيم البراهيم يقول: “من صجكم نشتغل أهنا؛ يوم كامل للطريق”؟!
وبعد أسابيع محدودة أتت إلينا نتيجة المقابلة بالتواصل وقبولنا، وتحديد موعد دوامنا هناك في بداية شهر صفر سنة ١٤١٩هـ
(المخلاص): ذهبنا أنا والمرحوم عبد الجليل في ذلك التاريخ، واتذكر مزاح الرحلة حتى وصلنا المكتب في صبيحة يوم السبت ١٤١٩/٢/١هـ.
وتم توجيهي من (المهندس أبو علي المصري)، بأن أعمل ثلاثة أشهر للتدريب مع حبيبنا. (أبو وليد المصري)، بتزكية من عناية الحبيب عبد الله الخلف لتركيب العدادت، والأخ المرحوم عبد الجليل الخميس مع شباب التركيبات للضغط العالي!
الشاهد: عملت بجدٍ واجتهادٍ مع حبيبنا (أبو وليد)، والرجل كوميدي بالفطرة، وأكادو أجزم بأن جُل مدينة رفحاء وضواحيها يفرفهم ويعرفونه جيداً!
وأتذكر في بداية عملنا حضرنا زواج المهندس خالد السعدي (أبو نادر) هناك..
نعم، ما زلت أتذكر (أبو وليد) واتصالاته في كل صباح بأسرته بمصر، بتوقيت الساعة السادسة للتخفيض من كبينة شارع السوق داخل البلد، وأنا في انتظاره في السيارة الرافعة (البكت) مع المرحوم غدير الشمري..
وساعة ما ينتهي الاتصال ويركب بجانبي، يقول لنا باللهجة المصرية: (عرفين السبب ليه أنا أحب أقي الكبينة ديّت؛ لأنك ما تسمعش حد، ولا حد بيسمعك)!
فأرد عليه: (حرام عليك يا بو ليد نص رفحاء أسمعوك ههه)..
لتنتهي مدة الثلاثة الشهور والضحك المفرط مع (أبو وليد) بالتوكيب، وشد موصلات الضغط المنخض وبسالة وقوة (الزرقينة)، وأعمدة الضغط العالي والمنخفض..
وبعدها انتقلت مع مجموعة تركيبات الضغط العالي وصيانته مع أستاذي حقيقة المرحوم محمد إسلام (أبو حليمة) الباكستاني، كان هادئ الطبع، أنيق في كلامه، ولبسه، ونظافة سيارته الخاصة والعمل؛ ودقيق في تركيبه وحدة نظره، وصيانته للعوازل العادية، وكذلك الشد، والمصهرات (الفيوزات)، وما أجمل أيام تغيير مقاس الموصلات للضغط العالي من ٧٠م إلى ١٢٠م، وأيضاً تغيير كابلات المحولات المربوطة بمفاتيحها!
والأجمل من ذلك أيام قطع الأشجار المتعارضة والمزروعة تحت خطوط الظغط العالي، وزراعة الأعمدة للضغط العالي والمنخفض وشد الأسلاك.. وكذلك رسمنا ساعة الصيانة الدورية للخطوط الفعلية بالوقع؛ ليتم تطبيقها على الرسم الموحد بين الشركة والبلدية خشية التعارض على برنامج (الأتو كاد) للمهندس الهندي ذاكر حسين.
ما زلت أتذكر بحكم خبرة عمل الوالد (رحمه الله) في ذبح الذبائح (للمنچس / فأس اللحم)، كنت أحب أن أمتطي الرافعة (البكت)، وأنزل الشجرة بأكملها على وجه المطلوب للسلامة واستثمار الوقت والعمل وعدم الرجوع لقصها إلا بعد سنوات!
حتى جاء الوقت واشترينا سيارة كابرس ٨٧ بالشراكة لحسن القطان، وأنا، وهاني الحرز، وحسين الخير الله؛ ليأتي اليوم المشؤوم، ويحصل علينا ذلك الحادث الشنيع الذي راح ضحيته الأخ هاني وعبد الجليل (رحمهما الله)، وإصابتي مع الأخ واصل البحراني من المبرز، والأخ يوسف العبد اللطيف من المركز..
.. صار ما صار وتبددت الأخوار على تلك الحادثة، وبعد أن أتم الله عليّ العافية، وعلى من ارتحل بالرحمته، عدت للعمل مرة أخرى بعد الاحتفال بي من قبل الإخوة بالعمل وذبح (الذبائح والمفطحات) لشباب الشركة في استراحتها.. كمسؤول عن ورشة الضغط العالي والمنخفض، واستقبال الأعطال عبر الاتصال الفوري واللا سلكي مع الشباب في مواقع أعمالهم.. وهناك تكمن الفكاهات، والأكلات الهندية، والباكستانية، والحساوية، والشمالية، والمصرية..
وبعدها توحدت الأمور وتوزعت الأعمال وانضمام مكتب رفحاء للمنطقة الشرقية، وانتقالي للعمل في قسم الهندسة والإنشاء وذلك بعد عمل بعد التقارير والشهادات التكريمية لكافة الشباب.. كسكرتير للقسم بالمتابعة وإعداد الخطابات الرسمية من قبلنا، وعلى وجه الخصوص مع إدارة هندسة التوزيع DED وكان مديرها المهندس أحمد شرف العوامي، ومدير المنطقة الرابعة المهندس أحمد بن حسن المبيض.
فكنت أوفق بين العمل والعلاج الطبيعي في مستشفى رفحاء، وما أعذبها من أيام رغم الألم.. حيث كان ممن يراجع المستشفى أحد الزوار ووالده الحاج كاظم العراقي للعلاج معي عند الأخصائي التونسي أحمد، وكلما تألم أنشد موالاً أو أبوذية:
“يمه راسي وجعني وربط الغريب ما نفع بيه”
ولك أن تعيش اللحظة وعذوبة الصوت!
حتى وفقني الله عز وجل ومساعدة الأحبة بذهابي إلى مدير المركز الرئيس بالمنطقة الشرقية في بداية التوحيد للشركة بالدخول على مكتب المهندس سليمان القاضي، وتحويلي لمكتب مساعده المهندس سعد المنصور؛ ليكتب لي على مسودة ورقة صغيرة أعطاني إياها: “الأخ المهندس أحمد الدبيخي لإجراء اللازم”، ليتم بعدها المراسلة وخطابات النقل (ولله الحمد) على التسهيل.. وما زلت أتذكر زيارة المهندس الدكتور طارق المهاوش لمتكب رفحاء ورفقة الأخ حسن القطان معه..
نعم، حملت أوراق نقلي وذهبت إلى مكتب المهندس محمد البندر، ومن ثم إلى مكتب الأستاذ نور الرشيد، ومن ثم لمكتب الأستاذ مبارك السدحان، والكل يشرح على تلك الورقة، حتى استقبلني منسق مكتب الهفوف الإداري الأستاذ الحبيب خالد الصويغ، وذهب مع لقسم العمليات والصيانة..
أتذكر ذهبت معه وكان في استقبال الحبيب مصطفى المحيفظ عند باب الدخول الرئيس، وما زلت أتذكر توزيع ابتساماته، فذهب معنا لمكتب (كبير المهندسين) في ذلك الوقت المهندس عبد الله السليمان (أبو عمار)، ولك أن تتخيل مزاحه في أول لقاء: “أجل جبت البراد معاك”، ومن ثم دخلنا للسلام على مدير العمليات والصينانة حينها المهندس فؤاد العبد القادر..
كان القسم مزدحم من أصحاب الخبرة وكبر الأعمار، ولك أن تتفس معي كلامهم، وتعريف مقامهم، ولا سيما حضور خطواتي على صولجان ممشاي والتفاتي!
كان بداية عملي مع المرحوم عبد العزيز الأحمد (أبو منصور) صيانة المحولات، وعلى إثر تدربت اشتغلت بإدخال كروت الصيانة في النظام وتغني الأحلام، ومن ثم عملت في غرفة فحص جودة الزيت للمحولات، ونحت الأرقام على الشرائح لقسم ﷼العدادات، وصيانة المحولات، وغرفها، ولوحات التوزيع الميني بلر)؛ وبما أنني أحب الخط العربي أخذ الأخ علي العبد القادر على تدريبي نحت الحروف والكلمات، ولك أن تعيش على أصوات المقامات والنبرات لجهاز الحفر!
وبعدها انتقلت إلى قسم (صيانة لوحات التوزيع)، وعملي على إدخال ملفات طال طائلها، وتجلى هائلها، وتجدل ختامها لثمانية أدراجٍ كبيرة بالملفات الخضراء ويزيدون على وجه التمام وتوقيت اللحظة بعد أشهر معدودة والانتهاء منها كاملة ولله الفضل!
وبما أن الوقت جميل، والهواء عليل، خطبت بعدها بأشهرٍ معدودة، وحدائق معدودة وتم إعلان زواجي حينها في مجلس الرمضان؛ والذي حضره معارف زمان وغد البيان لكامل القسم والإدارة، وكل أصدقاء الوالد (رحمه الله)، ومن أشرف على علاجي بالجبيل والدمام والأحساء، وصحابة الدراسة هنا وهناك..
رجعت بعد إجازة الزواج، وأكملت المسير، ومعرفة أكل التمر ورمي النواة والقطمير، واشتغلت في قسم العدادات مع الحبيب عبد اللطيف الدحيلان (أبو عثمان)، وبعد أشهرٍ معدوة، عملت على استخراج رخص الحفر والصيانة للقسم، والتعاون مع الإخوان هناك أحمد الكليب، ومساعد الملحم، والمرحوم أبو خالد الدوسري)..
وبعدها شغلي (كمنسق ومدخل) لمدة ثلاث سنوات على التوالي تقريباً للعمل مع الشباب لقراءة الأحمال مع قبل الشباب قبل الذروة وبعدها وإدخالها من قبلي في النظام.. ولك أن تعيش الخيال والقصص في حرارة الجو بفصل الصيف، ومواقع المحولات.. مع المرحوم محمد السعيد، وصادق العلي، وجمال الرحيمان، ويوسف العمر، والاستعانة بالمساعدة من قبل قسم الطوارئ حينها ساعة الطوارئ..
شاهدنا ما قبل الختام:
لك أن تتخيل مزاح الإخوة وجميع الأقسام.. وخليل أبو عنقة وقرب وقت تقاعده، وسكرتير القسم مدهش الدوسري وانتقاله مع قسم الفواتير التابع لمدير مكتب الهفوف الأستاذ مبارك السدحان، ومساعده إبراهيم بو شفيع ذهابه مع مدير دائرة الهندسة والإنشاء للمهندس سامي الثامر ، وذهاب المهندس عبد الله بن عبد الرحمن السليمان كمدير لمكتب خدمات بقيق، وانتقال المهندس فؤاد بن محمد العبد القادر؛ والمهندس محمد الطاهر، والمهندس مبارك الشمشير إلى الإدارة الرئيسة بالدمام والهيكلة الجديدة..