في الثاني والعشرين من فبراير من كل عام، يعيش الشعب السعودي مناسبة وطنية راسخة في الوجدان، تتجدد فيها مشاعر الفخر والاعتزاز، إنها ذكرى يوم التأسيس، اليوم الذي يعود بنا إلى عام 1139هـ (1727م)، حين أرسى الإمام محمد بن سعود – رحمه الله – دعائم الدولة السعودية الأولى في الدرعية، معلنًا ميلاد كيان سياسي موحد حمل لواء الاستقرار والنهضة في قلب الجزيرة العربية.
يوم التأسيس.. أكثر من احتفال
لا يُعد يوم التأسيس مجرد ذكرى عابرة، بل هو مناسبة تحمل أبعادًا حضارية وثقافية تعكس العمق التاريخي للمملكة، إذ إنه يؤرخ لبداية مشروع وطني ضخم كان مقدمةً لما تلا ذلك من تطورات كبرى، قادت إلى بناء دولة حديثة راسخة الأركان. إنه اليوم الذي نستشعر فيه حجم التضحيات التي بذلها الأجداد في سبيل بناء وحدة وطنية متماسكة، تحولت مع الزمن إلى نموذج للدولة القوية التي تستمد شرعيتها من جذورها الراسخة ومن تطلعات شعبها نحو المستقبل.
مشاعر شعبية متأججة بالفخر
يعيش السعوديون يوم التأسيس بمشاعر غامرة من الفخر والاعتزاز، حيث تعم الاحتفالات أرجاء الوطن، من العاصمة الرياض إلى أصغر قرية في صحراء نجد أو على سواحل الخليج والبحر الأحمر. فالشوارع تتزين بالرايات، وتُقام الفعاليات الثقافية والفنية التي تعيد للأذهان تفاصيل نشأة الدولة السعودية الأولى، وكيف استطاعت أن تواجه التحديات الداخلية والخارجية، لترسي دعائم حكمٍ استمر لأكثر من ثلاثة قرون.
الهوية الوطنية في قلب الحدث
يُشكل يوم التأسيس محطة رئيسية لترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز الوعي بتاريخ المملكة، حيث يتم تسليط الضوء على الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي شكّلت الإرث السعودي. فمن خلال الندوات التاريخية، والعروض الفنية، والأزياء التقليدية، يتجدد الارتباط بالتراث الوطني، في مشهد يبعث برسالة واضحة: أن المملكة ليست وليدة لحظة، بل هي امتداد حضاري ضارب في عمق التاريخ.
رسالة للأجيال القادمة
إن استحضار يوم التأسيس كل عام لا يقتصر على استذكار الماضي، بل يحمل في طياته رسالة للأجيال القادمة، مفادها أن هذا الوطن لم يُبنَ إلا بالتضحيات والإصرار على الوحدة، وأن مستقبل المملكة مرهون بتمسك أبنائها بقيمها وثوابتها. واليوم، إذ تقف المملكة على مشارف رؤية 2030، نجد أن روح التأسيس لا تزال حاضرة، فالتنمية التي نشهدها اليوم ما هي إلا امتداد لتاريخٍ ضاربٍ جذوره في عمق الجزيرة العربية، يعكس مسيرة حافلة بالإنجازات، ويجسد رؤية قيادة حكيمة تُواصل البناء على إرث الأجداد بروح العصر والتحديث.
ختامًا: شكر وامتنان للقيادة الحكيمة
يوم التأسيس ليس مجرد تاريخ يُحفظ في الكتب، بل هو قصة وطن، وملحمة تاريخية سطّرها الأجداد، ويُكمل فصولها الأحفاد. إنه يوم تتجدد فيه العهود، وتُرسخ فيه القيم، وتُستلهم منه العزائم لمواصلة البناء، في ظل قيادة حكيمة تُدرك أن القوة الحقيقية لأي دولة تكمن في وعي شعبها بتاريخها، وإيمانها بمستقبلها.
وفي هذا اليوم المجيد، لا يسعنا إلا أن نتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – على جهودهما العظيمة في تعزيز مسيرة المملكة، وحفظ هويتها التاريخية، وقيادتها نحو مستقبل أكثر ازدهارًا. فبفضل توجيهاتهما الرشيدة، تظل المملكة ماضية بثبات على خطى الأجداد، شامخة بتاريخها، وواثقة بمستقبلها.
بقلم: عائشة بنت مطلق العتيبي
أستاذة في الاتصال والإعلام الرقمي
@AishahAlotaibi5




