اللهم كما بلغتنا اليوم الثاني عشر من شهرك الفضيل بلغنا إكمال عدته وإدراك ليلة القدر واكتبنا فيها من عتقائك من النار.
وما هي إلا أيام ويكتمل الهلال وتتولى الأيام والنفحات الإيمانية المباركة تحيط بمكة المكرمة بين ساجد وقائم وطائف وساع في أقدس البقاع .
الليل أشبه بالنهار لملبيِ وداعِ مناجي ربه ومقبلِ للحجر ومستلم للركن ومصلي في الحِجر وخلف المقام ضيوف الرحمن في صور إيمانية سخرت لهم الحكومة الرشيدة كل سبل الراحة والطمأنينة .
ولا نزال نتتبع الأخبار عن من شرف بخدمة ضيوف الرحمن عبر الزمان جيل بعد جيل فكان ضيفنا :
الوقفة الأولى عرفنا بشخصك الكريم ؟
الاسم : أحمد بن عبدالعظيم بن أحمد مظهر مندوره .
ماجستير إدارة أعمال.
أعمل في شركة عبداللطيف جميل .
الوقفة الثانية :
حدثنا عن المكان الذي ولدت ونشأت فيه :
أنا من مواليد الرياض عام 1389هـ حيث قضيت فيها سنواتي الأولى قبل أن ننتقل إلى الطائف عندما كنت في الثالثة من عمري وعشت هناك حتى بلغت الخامسة ثم عدنا و استقرينا في مكة المكرمة بدءاً في حي العتيبية الذي كان يعج بالحياة والأسواق والذكريات الجميلة وبعد ذلك انتقلنا لعدة أحياء ـ ساحة إسلام ثم السبهاني وأخيراً العوالي ـ بيت العائلة حيث عشت مرحلة من أجمل مراحل حياتي .
ومؤخراً إنتقلت إلى مدينة جدة التي أصبحت محطتي الأخيرة وإلى يومنا هذا حيث إستقريت فيها وكونت فيها حياتي الاجتماعية والمهنية .
الوقفة الثالثة : رمضان قديماً
حدثنا عن رمضان قديماً؟
رمضان جميل بروحانيته وأجوائه الإيمانية حيث ندرك صومه وقيامه ويزداد جماله بالفعاليات والذكريات التي صنعت منه شهراً مميزاً في كل مرحلة من مراحل حياتي .
في حي العتيبية ما زلت أذكر حوش الصيرفي حيث كنا نلهو بألعابه ونستمتع بالبسطات التي تعرض كل ما يبهج الأطفال من الألعاب البسيطة إلى الحلويات الرمضانية والمراجيح التي كانت تضفي بهجة لا توصف .
ولا أنسى فوازير رمضان التي كنا ننتظرها بشغف نحلها ونرسل إجاباتها بالبريد بانتظار أن يحالفنا الحظ بالفوز بجائزة ولو رمزية .
وفي ساحة إسلام والسبهاني كانت دواري الحواري لكرة القدم جزءاً لا يتجزأ من رمضان حيث كانت فرق الأحياء تتنافس بحماس وسط تشجيع الجمهور من الشباب والكبار مما أضفى على الشهر نكهة رياضية وإجتماعية خاصة وبلا إستغراب فمكة منبع كرة القدم وأساسها وأول نادي بها في المملكة .
أما الجمعات العائلية والأصدقاء فكانت سمة لا تغيب عن أي يوم من أيام رمضان حيث لا يمر يوم دون دعوة إفطار تمتلئ بالوجبات التقليدية التي لا تحلو إلا في هذا الشهر يليها سهرات تمتد حتى السحور .
وبعد رمضان تأتي فرحة العيد منذ التحضير لصلاة المشهد في الحرم بالملابس الجديدة التي كان لا بد أن نرتديها طيلة أيام العيد حيث كانت الأجواء مهيبة ومليئة بالبهجة التي طالما انتظرناها وبعدها نجتمع في بيت العائلة في مكة للمعايدة حيث نلتقي بالأهل والأقارب والأرحام القادمين من الرياض وجدة والمنطقة الشرقية ليكون العيد فرصة لاجتماع العائلة بأكملها وتوزيع العيديات على الجميع نسترجع الذكريات ونتبادل التهاني ونتشارك لحظات الفرح التي تبقى محفورة في الذاكرة مهما مرت السنين .
الوقفة الرابعة قصص في الذاكرة :
اذكر لنا قصة ارتبطت بالطوافة في رمضان وغيرها :
ما أذكره عن الطوافة يحمل في طياته تفاصيل ثرية عن الماضي العريق لهذه المهنة حين كان المطوفون يسافرون إلى بلدان الحجيج في شهر رجب وشعبان حاملين معهم التوصيات للتعاقد معهم عبر وسطاء يُعرفون بـ”الكياهي” وهو الشخص المسؤول عن مجموعة من الحجاج في بلدانهم.
ومن خلال قراءاتي عن الطوافة ومشاهداتي المباشرة مع والدي رحمه الله عرفت أن المطوف لم يكن مجرد مرشد بل كان شيخاً وعالماً يتحلى بالأخلاق الفاضلة والسجايا الحسنة ومتقناً للغات الحجاج الذين ينزلون عنده سواء في منزله أو في أماكن سكنهم خارج بيته .
وكان للمطوف وكيل له في جدة يستقبل حجاجه في ميناء جدة وفي المدينة المنورة كان له شخص يطلق عليه “مزور” مهنته إستقبال حجاجه لزيارة الروضة الشريفة والسلام على الرسول صل الله عليه وسلم والأماكن الدينية والتاريخية .
تطور دور وكيل جدة ليصبح لاحقاً جزءاً مما عُرف بـ”مكتب الوكلاء”، أما مزور المدينة تطور الاسم إلى “الدليل” ومنه جاء مسمى “الأدلاء”
أما في مكة المكرمة فكان هناك الزمزمي وهو الشخص المسؤول عن سقاية الحجاج بماء زمزم ويتفق مع المطوف على أجره وقد أصبح لاحقاً ضمن مكتب الزمازمة الذين لا تزال خدماتهم قائمة حتى اليوم .
ومن الشخصيات البارزة في عائلتي كان والد جدي الشيخ عبدالعظيم رحمه الله الذي كان عالماً جليلاً وله كرسي علم في الحرم المكي توفي عام 1916م وكان من أوائل مطوفي الجاوة في تلك الحقبة التي كان الحجاج يأتون فيها بالبواخر من بلادهم حين كانت إندونيسيا وماليزيا تحت الاستعمار الهولندي.
ومن القصص التي ما زالت عالقة في ذاكرتي جدي أحمد مظهر الذي أمسك بزمام أمور الطوافة في سن مبكرة وكان عمره آنذاك 16 عام بعد وفاة والده الشيخ عبدالعظيم وبعد أن أخذته أمه آمنه بنتن إلى الشريف عون الرفيق للموافقة على خدمة حجاجها من منطقة بنتن فضلاً عن حجاج أبيه وكان مطوفاً معروفاً وكان نصيبه من الحجاج يعادل حمولة سفينة كاملة وكان من علماء اللغة العربية وكذا سنده أخيه سيدي عمر والذي كان من منتسبي وزارة التعليم.
كما أذكر أخيهم الأصغر سيدي محمد عثمان الذي كان يأتيه عدد كبير من الحجاج في العهد القريب وما قبل مؤسسات الطوافة وكذلك أذكر عمي حسن له مكتب خدمة حجاج في بداية مؤسسات الطوافة “رحمة الله عليهم رحمة واسعة” والذي أكمل مشوار هذه المهنة أخي مازن بن عبدالعظيم مندوره في عهد مؤسسات الطوافة.
ومن الذكريات التي لا أنساها أننا كنا نملك بيتاً كبيراً في مشعر منى يقع مقابل جمرة العقبة الكبرى مكون من بيت أربع أدوار وملحق وحوش وكان يستأجر في أخر عهده من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في مواسم الحج كما كان لنا وقف في سوق الليل وبيت ملك في جبل أبي قبيس لتسكين الحجاج التابعين لنا والذين يمكثون فيه لأشهر قبل وبعد الحج والبعض منهم يبقى لحين سفره وجميع هذه المنازل تمت إزالتها في مشاريع التوسعة وتطوير المشاعر .
أما الهدايا التي كان الحجاج يقدمونها فكانت دائماً جزءاً ممتعًا من ذكريات الحج حيث كان بعضها يحمل طابعاً تقليدياً يعكس ثقافات بلدانهم .
أذكر في سن الخامسة أو السادسة بدأت أرافق والدي أثناء عمل الحج وكان لدي كاميرا كوداك “تصوير فوري” حيث كنت أقوم بتصوير الحجاج مقابل خمسة ريالات للصورة وكانت تلك تجربتي الأولى في عالم الطوافة والتصوير والتي شكلت جزءاً من طفولتي وذكرياتي التي لا تُنسى مع الحج والمطوفين.


الوقفة الخامسة الخاتمة :
اختم لنا بخاتمة :
أسأل الله تعالى أن يمنّ على الأمة الإسلامية بالعزة والنصر والتمكين وأن يجمع كلمتها على الحق ويوحد صفوفها ويجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يجعلها يداً واحدة في مواجهة التحديات متماسكة بعقيدتها ومتمسكة بدينها وعاملة بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
كما نحمد الله عز وجل على نعمة الأمن والأمان التي ننعم بها في بلادنا المباركة سائلين المولى عز وجل أن يحفظها من كل سوء ويديم عليها نعم الاستقرار والرخاء ويجنبها الفتن والمحن وأن يرزقنا شكر نعمه فلا تزول عنا.
ونسأل الله تعالى أن يمن علينا بمن يخاف الله في مكتسباتنا من هذه المهنة “مهنة الطوافة” في الشركات القائمة بقيادة حكيمة ويحيطها بالبطانة الصالحة التي تسعى دوماً لتجويد وتطوير الشركات في تحقيق أهداف ورؤية ورسالة الحج في هذا البلد المبارك .





