مائدة النور الرمضانية ليست مجرد سفرة إفطار، بل هي نموذج حي للتكافل الاجتماعي وروح العطاء التي تسري في أوصال حي العتيبية بمكة المكرمة. وهي إشراقة نور في الحي ، تأسست هذه المبادرة قبل 17 عامًا على يد العم فهد الوافي الحربي – رحمه الله – بمشاركة جيرانه وأصدقائه وأبنائه البررة، لتكون منارة خير تجسد أسمى معاني الإحسان والتعاون.
واليوم، وبفضل جهود أبناء الحي والجهات الداعمة، تحولت هذه المائدة إلى “دار ضيافة” حقيقية لعابري السبيل والأسر المستورة، تقدم وجبات الإفطار بطريقة تحفظ كرامة المحتاجين وتوفر لهم تجربة راقية أشبه بضيافة الفنادق.
من حوطة صغيرة إلى مائدة تخدم الآلاف :
بدأت الفكرة متواضعة في حوطة صغيرة، لم يتجاوز عدد المستفيدين منها 30 صائمًا، لكنها سرعان ما توسعت وانتقلت إلى “حديقة النور”، المعروفة حاليًا باسم “ديوانية النور”، بعد تطويرها وتجهيزها لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الصائمين، خاصة من الوافدين العزاب والأسر المتعففة.
ومع مرور السنوات، تطورت السفرة لتصبح مشروعًا خيريًا متكاملًا يعكس تلاحم أهالي الحي وتفانيهم في خدمة الآخرين.
فريق متكامل.. بروح واحدة :
يقف خلف هذا العمل الإنساني فريق متكاتف يقوده الأستاذ رامي فهد الوافي، نجل المؤسس، إلى جانب نخبة من رجال الحي الأوفياء، مثل العم ناجي الوافي وأبو ناصر صالح باسردة، المشرفين على تجهيز الوجبات، والعم عبد اللطيف الوافي الذي يستقبل الصائمين ويوزع عليهم الأطباق.
كما يسهم العم إبراهيم حمدان الوافي، وحسن الوافي، وعلي مسعود الغامدي في تقديم الوجبات الساخنة يوميًا، لضمان تنوع الأطعمة وجودتها، بينما يشرف العم محمد رده الوافي وإبراهيم الوافي على تجهيز الخبز وتغذية الأطباق، ويتولى أبو ماهر عبد الله قايد سيف مهمة متابعة الإمدادات لضمان سلاسة العمل.
النساء شريكات في الخير :
الرجال لم يكونوا وحدهم في ميدان العطاء، إذ ساهمت 15 سيدة من نساء الحي في إعداد المشروبات الساخنة كالقهوة والشاي، وتحضير الأطباق الرمضانية مثل الشوربة والسمبوسك، في مشهد يعكس روح الألفة والمحبة والتكاتف الاجتماعي.
من ملعب رياضي إلى مركز للخير :
بالتعاون مع “أمانة العاصمة المقدسة ممثلة في بلدية العتيبية” و”جمعية مراكز الأحياء”، تم تحويل الحديقة المهجورة والملعب الرياضي إلى مقر دائم للمائدة خلال شهر رمضان، ما أسهم في تعزيز مفهوم العمل الجماعي، وتحويل النشاط الرياضي إلى مشروع اجتماعي إيماني يجمع شباب الحي على الخير والبذل والعطاء.
وبعد انتهاء الشهر الفضيل، تتحول الحديقة إلى مصلى للعيد، في صورة بديعة للتكامل بين العبادة والخدمة المجتمعية.
أرقام تعكس حجم العطاء :
تخدم مائدة النور يوميًا أكثر من 1500 فرد وعائلة، موزعين على النحو التالي:
- 600 عائلة مستورة في الحي
- 900 إلى 1200 فرد على مائدة الإفطار
ويتم تقديم: 1000 وجبة ساخنة يوميًا ، و 2000 عبوة ماء ، و 1000 علبة عصير ، و1000 حبة سمبوسك ، و1000 قطعة طرنبة ، و 1000 كيس تمر فردي ، و 1000 علبة لبن ، و 1000 قرص فتوت، و كراسون، وكيك
جهات داعمة لرسالة الخير :
ساهمت عدة جهات خيرية في دعم المشروع، من أبرزها: جمعية معان الخيرية، ومركز وصال الاجتماعي ، وجمعية مراكز الأحياء ، و وقف السنبلة الخيري
إرث يمتد للأجيال :
ما يميز “مائدة النور” أنها ليست مجرد مشروع خيري عابر، بل “رسالة حياة” يتناقلها أهل الحي جيلًا بعد جيل. فقد حمل “أشبال الحي” الراية من آبائهم، بعدما كانوا يمارسون الرياضة في الملعب، ليتحولوا اليوم إلى “سواعد فاعلة” في خدمة الصائمين، مساهمين في استمرار هذه الصدقة الجارية.
رسالة حب وعطاء :
ما بدأ كعمل متواضع، أصبح نموذجًا فريدًا في العطاء والتكافل الاجتماعي. شباب الحي وكباره، رجالًا ونساءً، توحدوا تحت راية الخير، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والبذل. مشروع نقيّ صُفت فيه النية، فباركه الله، واستمر على مدى سنوات، ليبقى شاهدًا على أن العطاء الحقيقي لا يعرف حدودًا، بل يمتد ليغرس الخير في القلوب.
رحم الله المؤسس فهد الوافي الحربي، وبارك في أبنائه ورفاقه، وجعل هذا العمل في ميزان حسناتهم أجمعين.





